المغرب: خطوة أولى لإنهاء أزمة الضرائب بين المحامين والحكومة

03 ديسمبر 2022
سيتواصل الحوار بشأن الضريبة على القيمة المضافة والمصاريف القابلة للخصم (فرانس برس)
+ الخط -

خطت الحكومة المغربية خطوة أولى نحو إنهاء احتجاجات المحامين المتواصلة ضد فرض إجراءات ضريبية، وردّت في مشروع قانون المالية لسنة 2023، بعد أن تمكّنت من تحقيق اختراق في جدار أزمة الضرائب التي تسببت في تراكم غير مسبوق للملفات الجنائية في محاكم المملكة، بعدما بلغت مقاطعة هيئات المحامين جلسات المحاكمة ما يقارب الشهر.

وأعلنت "جمعية هيئات المحامين بالمغرب"، اليوم السبت، أنّ الاجتماع الذي عقدته، أمس الجمعة، مع الوزير المنتدب في الميزانية فوزي لقجع، انتهى إلى الاتفاق على خفض مبلغ الدفعة المقدمة على الحساب من 300 درهم (نحو 28 دولاراً أميركياً) إلى 100 درهم ( 9 دولارات) شاملة جميع مراحل التقاضي.

كما تم الاتفاق على أن يقتصر الأداء على القضايا التي استخلصت عنها أتعاب استناداً إلى تصريح المحامي، مع منح الخيار للمحامي بين أداء الدفعة عند تقديم المقالات والطعون والنيابات والمؤازرات وأدائها قبل انصرام الشهر الموالي للسنة المحاسبية التي فتح فيها الملف، والكل بناء على اللائحة التي يدلي بها المحامي.

إلى جانب ذلك، أفضى الاجتماع إلى التوافق على استفادة المحامين الممارسين غير المتوفرين على تعريف ضريبي، الذين يسجلون أنفسهم قبل نهاية شهر ديسمبر/ كانون الأول من هذا العام، من عفو ضريبي عن السنوات الماضية.

كما تم الاتفاق على إعفاء المحامين المسجلين الجدد لدى إدارة الضرائب من الدفع المقدم على الحساب والرسم المهني لمدة خمس سنوات، وثلاث سنوات من الحد الأدنى للضريبة على الدخل.

حوار متواصل وانقسام نقابي

وبينما أعلنت "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" أن الحوار سيتواصل بشأن الضريبة على القيمة المضافة والمصاريف القابلة للخصم، ما زالت حالة الانقسام الداخلي بين هيئات المحامين بالمغرب تلقي بظلالها على الوضع، إذ إنه في الوقت الذي قررت فيه بعض الهيئات التراجع عن قرار الإضراب، أعلنت هيئة المحامين بتطوان، اليوم السبت، أنها قررت مواصلة التوقف عن العمل، عقب انعقاد الجمعية العمومية الاستثنائية للهيئة، مؤكدة أن الإضراب سيتواصل إلى غاية انعقاد أول اجتماع مقبل.

في المقابل، تتجه الأنظار إلى نتائج اللقاء الذي سيُعقد، يوم غد الأحد، بين وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي ونقيب هيئة المحامين بالدار البيضاء، أكبر التنظيمات المهنية في المغرب، لمعرفة مآل الحركة الاحتجاجية التي يقودها المحامون منذ شهر ضد التدابير الضريبية التي تسعى الحكومة لفرضها.

ويأتي ذلك في وقت سجل فيه تراكم غير مسبوق للملفات الجنائية في محاكم المغرب، بعدما بلغت مقاطعة هيئات المحامين ما يقارب الشهر، جراء إضرابهم ومقاطعتهم جلسات المحاكمة وكافة الإجراءات المتعلقة بالدفاع عن موكليهم.

ودفع تراكم الملفات الجنائية بسبب إلزامية حضور الدفاع في المرافعات والمناقشة، قبل المداولة والنطق بالحكم، العديد من الأصوات المهتمة بالعدالة إلى المطالبة بحل مستعجل لأزمة مقاطعة المحامين جلسات المحاكمة بالمحاكم الابتدائية ومحكمة الاستئناف، وذلك قصد ضمان حقوق الدفاع بالنسبة إلى المتهمين، والحق الدستوري في مجانية الولوج إلى العدالة، وكذا شروط المحاكمة العادلة.

ويفرض مشروع الموازنة الجديدة أداء المحامي تلقائياً لدى كاتب الضبط في صندوق المحكمة تسبيقاً مالياً عن الضريبة عن كل ملف في كل مرحلة من مراحل التقاضي، أي عند إيداع أو تسجيل دعوى أو طلب أو طعن أو عند التسجيل نيابة أو مؤازرة في قضية بمحكمة. وجاء هذا الإجراء بعدما تبين لمصالح الضرائب أنّ المحامين لا يصرحون بمداخيلهم الحقيقية.

وحدد مبلغ التسبيق المالي في مشروع قانون المالية بـ300 درهم مغربي (نحو 28 دولاراً) عن كل ملف في محاكم الدرجة الأولى، و400 درهم (نحو 37 دولاراً) في محاكم الدرجة الثانية، و500 درهم (نحو 46 دولاراً) في محكمة النقض. أما الدعاوى المتعلقة بالأوامر المبنية على طلب المعاينات، فيؤدى عنها مبلغ مسبق عن الضريبة مقداره 100 درهم (نحو تسعة دولارات).

وعلى امتداد ما يقارب أربعة أسابيع متواصلة، نظم المحامون وقفات احتجاجية واعتصامات أمام البرلمان المغربي وفي محاكم المملكة، وإضرابات عن العمل يومي 8 و9 من الشهر الماضي، أُتبعت بإضراب مفتوح عن العمل. كما قررت هيئاتهم عدم الاستجابة لدعوة وزير العدل لحضور اجتماع اللجنة المشرفة على امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، رفضاً لقرار الحكومة فرض الإجراءات الضريبية، ولـ"الوضع المهني المتأزم نتيجة حملة الاستهداف غير المسبوقة في تاريخ المهنة".

وكان الوزير المنتدب المكلف بالميزانية فوزي لقجع قد أعلن،  في وقت سابق، أنّ عدد المحامين الذين يصرحون بمداخيلهم لدى إدارة الضرائب يبلغ 6600 فقط، موضحاً، خلال المناقشة التفصيلية لمشروع قانون مالية 2023 في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان المغربي)، الشهر الماضي، أنّ 90% من المحامين الذين يساهمون في دفع الضرائب يؤدون مبلغاً يقل من 10 آلاف درهم (نحو 500 دولار) سنوياً.

ويبلغ عدد المحامين المسجلين لدى إدارة الضرائب 8837 محامياً ومحامية، علماً أنّ العدد الإجمالي للمحامين في المغرب يصل إلى حوالي 16 ألف محام. في حين أن المساهمة الإجمالية للمحامين في الضريبة تصل إلى ما مجموعه 111 مليون درهم سنوياً، بحسب معطيات رسمية.

وكان وزير العدل ومكتب "جمعية هيئات المحامين بالمغرب" قد عقدا، أول من أمس الخميس، اجتماعا جرى فيه تدارس مسببات الأزمة التي تمر بها العلاقة بينهما، وما نتج عنها من احتقان انعكس سلباً على السير العادي لمرفق العدالة.

نضال المحامين

وبينما عبّر كل طرف عن الإرادة في اتخاذ الخطوات والإجراءات الضرورية لتجاوز الأزمة والخروج من حالة الاحتقان، كان لافتاً الاتفاق على تشكيل لجنة موضوعاتية بخصوص قانون المهنة، واستئناف الحوار بشأن مختلف مشاريع القوانين ذات الصلة بمهنة المحاماة، مع التزام الطرفين باحترام المنهجية التشاركية وفتح قنوات التواصل المستمر لتفادي مختلف الصعوبات مستقبلاً.

عضو مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب، عمر محمود بنجلون، قال إنّ المؤسسات المهنية تعيش أزمة ثقة، وإن طلب وزير العدل الحوار أتى بالضغط النضالي للمحامين والمؤتمر الوطني الـ31 للمحامين المنعقد، أخيراً، بمدينة الداخلة، وتدويل حراك المحامين.

وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ محتوى الحوار مع وزير العدل في الاجتماع الأخير، بناء على البيانات المشتركة لوزارة العدل وجمعية هيئات المحامين بالمغرب، كما نتائج اللجنة التقنية في الملف الضريبي، أتت بخطوات أكثر تقدماً في الشكليات والإجراءات على ما جاء به اجتماع جمعية هيئات المحامين بالمغرب مع رئيس الحكومة.

وقال إنه مع الحث على استمرار الحوار واحترام المقاربة التشاركية، لكن الحوار لم يستجب لبعض المطالب المبدئية، كرفض التسبيق الضريبي والامتحان في صيغته الحالية، لافتاً إلى أنّ اللجان الثنائية المتعلقة بقانون المهنة والقوانين ذات صلة بالمحاماة لا يمكن إلا أن تتأثر مستقبلاً بجدلية النضال والحوار والتمكين العلمي لملاءمة هذه القوانين مع المفاهيم الكونية للدفاع والعدل ودولة الحق والقانون.

المساهمون