تحت عنوان "القرابة والجوار والجماعة، أو كيف نتدبّر مجدداً الصلة بين المحلي والمشترك؟"، يعقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - تونس ندوة علمية دولية بالشراكة مع قسم علم الاجتماع بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس ووحدة بحث "ثورات، انتقالات، حراك".
وفي إطار هذه الندوة التي افتتحت أعمالها، اليوم الأربعاء، وتمتدّ على ثلاثة أيام في تونس العاصمة، تناول باحثون من تونس وكذلك من مصر والمغرب والجزائر ودول أوروبية موضوع التقارب الاجتماعي وملفّ الهجرات النسائية من أفريقيا جنوب الصحراء ما بين روابط القرابة والشبكات الاجتماعية والأرض والعائلة والتنمية.
وقال مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات فرع تونس مهدي مبروك لـ"العربي الجديد" إنّ "الندوة الدولية تجمع أكثر من 40 متدخّلاً من مختلف البلدان العربية ومن أوروبا وأميركا اللاتينية من أجل دراسة التحوّلات في علاقات الجوار والتغيّرات في ظلّ العلاقات الافتراضية؛ فهل تصمد هذه العلاقات أم أنّها تفكّكت؟". وشدّد على أنّ "الندوة مهمّة لجهة الوقوف على العلاقات الإنسانية ومقارنة المجتمعات".
وحول نقاط الاختلاف والتلاقي، شرح أنّه "لا يمكن الحديث عن مجتمعات محميّة، فالتحضّر والنقل والهجرة لم تترك مجتمعات معزولة واندرجت بمعظمها في إطار التحوّلات الكبرى. لكنّ ثمّة اختلافاً ما بين مجتمع وآخر في المغرب والجزائر وتونس على سبيل المثال، حيث تلعب القبيلة في بعض المجتمعات دوراً كبيراً ومهماً، في حين أنّ ثمّة قواسم مشتركة عديدة". أضاف أنّ "علاقات القرابة تشهد تراجعاً لكنّها تتجدّد في مناسبات الزواج"، مبيّناً أنّ "أشكال التواصل كانت تعتمد التواصل المباشر وصارت تعتمد تقنيات أخرى، لكنّ ثمّة قواسم مشتركة عدّة عموماً".
في مداخلة للباحث المغربي أناس بن الشيخ حول الهجرات النسائية في أفريقيا جنوب الصحراء بين روابط القرابة والشبكات الاجتماعية، تحت عنوان "مهاجرات من أفريقيا جنوب الصحراء في المجتمع المغربي"، قال إنّ "القرابة والعلاقات الاجتماعية هما علاقات معقّدة في الهجرة وذلك نظراً لقيود عدّة"، مبيّناً أنّ "الوضع غير النظامي للمهاجرات يجعلهنّ ينخرطنَ في أنشطة مختلفة من أجل إعادة بناء علاقات جديدة، وهي علاقات يحاولنَ من خلالها التموقع في بلدان الاستقبال، والانتقال من المحلي إلى العالمي. وتسعى المهاجرات إلى إعادة بناء علاقات تقوم على التضامن في ما بينهنّ، وتنبثق عنها في العادة أشكال عدّة من التجمّعات، فتبرز الحاجة إلى القرابة أكثر وتدبير المعيشة".
وأوضح بن الشيخ أنّ "هذه الفئة من المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء تتعرّض إلى صعوبات عدّة في إيجاد عمل في المجتمع المغربي، وهو ما دفع عدداً من هؤلاء إلى العمل الهامشي"، علماً أنّهم "يتعرّضون في العادة إلى الاستغلال". وتابع أنّه "في المعيش وحتى من خلال العلاقات بينهم وبين المجتمع، فإنّ هذه العلاقات قد تكون أحياناً صدامية مع دول شمال أفريقيا، وهو ما يدفع هذه الفئة إلى الحذر. كذلك فإنّ القوانين في المغرب فرضت قيوداً عدّة على تنقّلات مهاجري جنوب الصحراء، وهي تعتمد في العادة الترحيل القسري، وبالتالي يحاول هؤلاء تدبّر البقاء من خلال علاقات الجوار".
من جهته، تحدّث الباحث التونسي في علم الاجتماع شهاب اليحياوي عن "علاقات الجوار وتحوّلات الرابط الاجتماعي في الوسط الحضري"، مشدّداً على أنّ "الجغرافيا الاجتماعية تقوّي العلاقات الاجتماعية". وشرح أنّ "الأجوار يثمّنون المناسبات، والفرد في المجتمع يبحث في العادة عن الأمن الاجتماعي من خلال هذه العلاقات. لكنّ بعض الأحياء تفرض نوعاً من التقارب الاجتماعي بين أفرادها، وثمّة أوضاع اجتماعية لها خصوصياتها بحسب طبيعة المجال".
ولفت اليحياوي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "علاقات الجوار شهدت تحوّلات عدّة أثّرت على العلاقات الاجتماعية، وبالتالي تنوعّت المدخلات ما بين الجغرافي والسياسي، وبالتالي هي محاولة لرصد مختلف هذه التحوّلات في بُعدها المجالي والاجتماعي".
أمّا الباحث التونسي في علم الاجتماع نور الدين العلوي فتحدّث في مداخلة له عن "ردود فعل مختلفة وموازية تأتي كردّ فعل على النشاط السياحي في بعض مناطق جنوبي تونس"، مضيفاً أنّ السياحة "لم تخلق تنمية لكنّها خلقت نوعاً من العلاقات بين بعض الأفراد والسائحات". وأشار إلى "مغامرات سياحية وزواج بسائحات" بالإضافة إلى "سلوكيات غريبة مثل ما يسمّى بالشطير أي تطليق الزوجة للزواج من أجنبية، ثمّ يعود الزوج للزواج بها ثانية ولو كان ذلك عن طريق فتاوى ذاتية". وشرح أنّها "ممارسات محدودة لكنّها موجودة".
وفي سياق متّصل، عرض الباحث الجزائري محمد عبد الباسط شافي دراسة حول "التاجماعت (التجمّعات وتعني مجلس شيوخ ونظام حكم) بين استمرار القواعد العرفية وإعادة إنتاج النظام الجمعياتي". وأفاد بأنّ الدراسة تتضمّن ثلاثة محاور، أوّلها "الدشرة التي تعتمد على علاقات القرابة". والمحور الثاني هو "الدشرة كوحدة سياسية تمثّل السلطة المحلية وتحافظ على التقاليد وتعيد إنتاج الثقافة الأمازيغية وتسهر على إقامة الحفلات المحلية وتعزيز آليات التضامن وإعادة فكرة الانتماء، ما يجبر أفراد الدشرة على تمتين العلاقات في ما بينهم". أمّا المحور الثالث فهو "المجلس، وهو بمثابة محكمة مصغّرة أولية تنظر في النزاعات، ولا يتعارض ذلك مع مؤسسات الدولة الحديثة كالبلديات والجمعيات".
ورأى شافي في تصريح لـ"العربي الجديد" أنّ "السؤال اليوم هو: هل تستمدّ الدشرة قوتها من المحيط أو من التاريخ؟". وبيّن أنّ "الدشرة مناطق متناثرة تحتوي عدداً محدوداً من السكان، وهم يحافظون على تقاليد الموروث الثقافي، وبالتالي التاجماعت تعيد بعث التقاليد وإنتاج الموروث الثقافي، ولكلّ دشرة خاصيات تتميّز بها".