أثار كتاب مدرسي باللغة الفرنسية جدالاً واسعاً في المغرب، بسبب ما يتضمّنه من "ترويج" للمثلية الجنسية. وقد عمدت السلطات إلى سحب الكتاب من المكتبات والأسواق الكبرى في العاصمة الرباط، يوم الاثنين الماضي.
وتداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، خلال الأيام الأخيرة، صوراً ومقتطفات من الكتاب الصادر عن دار "ميلان" باللغة الفرنسية، ويحمل عنوان "Mes P'tites Questions - VIVRE ENSEMBLE - Toutes les familles" (أسئلتي الصغيرة - العيش معاً - كلّ العائلات)، والذي كان يُباع في الرباط بسعر 10 دراهم مغربية (نحو دولار أميركي واحد) قبل سحبه، علماً أنّ الأطفال المستهدفين هم من الفئة العمرية "ابتداءً من سنّ السابعة".
وعلى الرغم من الإعلان عن سحب الكتاب بعد التنسيق بين مصالح وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ومهنيي النشر، فإنّ وصوله إلى أيدي القرّاء المغاربة أثار غضباً لدى بعض المغاربة، الذين يتحدثون عن "التأثير الذي قد يتركه تشجيع المثلية الجنسية في أذهان الصغار"، إذ رأى فيه مواطنون "خطراً على أفكار الأطفال وقيمهم وثوابتهم الدينية".
وحمّل كثيرون المسؤولية عن توزيع الكتاب إلى الوزارة الوصيّة، إذ إنّها سمحت بطرحه في الأسواق من دون الاطّلاع على محتواه.
وفي بعض ما تضمّنه كتاب الأطفال المثير للجدال، صورة تظهر فيها امرأتان تمسكان بيدَي بطفل، وقد أُرفقت بكلام مفاده أنّ "في استطاعة امرأتَين أو رجلَين أن يتحابّا ويتزوّجا ويربيّا طفلاً". أضافت مؤلفتا الكتاب، أودري غيّيه وبرنسيس كامكام، أنّ الأمر يمثّل بالتالي عائلة "أوموبارانتال" أي أنّ الوالدَين فيها من الجنس نفسه.
وفي هذا الإطار، قال الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم التابعة لنقابة الاتحاد الوطني للشغل في المغرب عبد الإله دحمان، لـ"العربي الجديد"، إنّ الترويج لهذا الكتاب "محاولة تأتي في سياق ممنهج ومطّرد، وهو ليس واقعة معزولة عن محاولات جسّ النبض الذي ما فتئت تقوم بها جهات متعدّدة لمحاولة التطبيع مع المثلية الجنسية كظاهرة ومفهوم وأسلوب حياة، تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان والحقّ في الاختلاف وغيره من الشعارات التي تمثّل غطاءً لاختراق قيميّ"، وفقاً لتعبيره.
أضاف دحمان أنّه "يتوجّب على الوزارة الوصية وأولياء أمور الناشئة ومكوّنات المجتمع المدني الحذر اليوم"، وأشار إلى أنّ "دعاة المثلية يذهبون أبعد من السعي إلى إيجاد مكان لها أو التطبيع مع الظاهرة، أو حتى الاعتراف بحقوقهم". وقد رأى في ذلك "تهديداً لا يطاول فقط المجتمع المغربي".
وأكّد أنّ "الأسرة في خطر" متحدّثاً عن "تفكيك" و"هدم"، وتابع أنّ "المعركة أخطر من اختراق لكتاب، فهي استراتيجية للقضاء على النوع البشري كما عرفناه بدءاً وخلقاً"، بحسب قوله.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يُثار فيها الجدال في المغرب بخصوص مضامين كتب تعتمدها مدارس أجنبية مرخّص لها في مناطق مغربية عديدة، إذ يشتكي أولياء أمور التلاميذ والمدرّسون، بين الحين والآخر، من مضامين مخالفة لـ"ثوابت المغرب"، لا سيّما ما يتعلّق بالترويج للمثلية الجنسية وحقوق المثليين.
وكانت مذكّرة وزارية قد أُصدرت في 13 يوليو/ تموز الماضي، وعُمّمت على الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، شددت على أنّ "بعض مضامين الكتب المدرسية والدعائم البيداغوجية (التربوية) المعتمدة في بعض المؤسسات التعليمية التي تقدّم برنامجاً تعليمياً أجنبياً لا تحترم قدسية الثوابت والقيم الوطنية والدينية لبلادنا".
ودعت المذكرة مدراء الأكاديميات إلى "اتّخاذ التدابير الضرورية من أجل ضمان الالتزام الصارم والدائم لمؤسسات التعليم المدرسي التي تقدّم برنامجاً تعليمياً أجنبياً، من ضمن برامجها الدراسية وكتبها المدرسية، باحترام الثوابت الوطنية والدينية القائمة على الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية والترابية والهوية الوطنية الموحّدة بانصهار مكوّناتها وتحدّد روافدها، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي، وقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية".
كذلك، طالبت المذكرة المدراء بـ"التحلي باليقظة اللازمة، وإعمال آليات التتبّع والمراقبة التربوية والإدارية الضرورية، من أجل ضمان احترام الثوابت والقيم الوطنية والدينية ومقدّسات الأمة المغربية من طرف المؤسسات المعنية التابعة للنفوذ الترابي للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين التي تشرفون عليها، مع الحرص على التطبيق الصارم، في حقّ المخالفين، للإجراءات الإدارية والعقوبات المقرّرة بموجب المقتضيات التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل".
تجدر الإشارة إلى أنّ القانون المغربي يجرّم المثلية الجنسية، وتنصّ المادة 489 من القانون الجنائي بشأنها على عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات.