الليبيون يشربون المياه المعبأة "بلا ثقة"

14 مايو 2022
ما زالت مياه الشرب تمثّل أزمة لليبيين (محمود تركية/ فرانس برس)
+ الخط -

ما زال الليبيون يعانون من مشكلة الحصول على مياه الشرب، ويستهلكون تلك المعبأة رغم عدم ثقتهم في جودة غالبية مصانع التعبئة، في ظل تراجع الرقابة الرسمية عليها.

وقد زاد في ليبيا الإقبال على إنشاء مصانع لتعبئة المياه، كونها المصدر الوحيد لحصول الناس على مياه الشرب، خصوصاً في المدن والمناطق الكبرى التي تعاني من ارتفاع نسبة ملوحة في مياهها الجوفية، ومن تسرب مياه الصرف الصحي إلى خزانات المياه الجوفية وبالتالي تلوّثها، بسبب تهالك البنية التحتية لشبكات الصرف. لكنّ كثيرا من المواطنين يلاحظون أيضاً وجود شوائب واضحة في المياه المعبأة التي لا يملكون في كل الأحوال إلا حل شراءها كونها المصدر الوحيد للشرب". 

في السابق، اعتمد الليبيون على الآبار الجوفية الخاصة التي كانت تنتشر في شكل كبير في المناطق والأحياء والمزارع، فيما وفرت الشركة العامة للمياه إمدادات المدن عبر شبكة واسعة مرتبطة بمنظومة النهر الصناعي وخطوط تمتد من عمق الصحراء في الجنوب.

يقول محمد سويلم الذي تخلى قبل سنوات عن بئر في مزرعته بمنطقة عين زاره في طرابلس، بسبب ارتفاع نسبة الملوحة فيها، لـ"العربي الجديد": "لا تزال هذه المياه الجوفية تصلح لري المزروعات والأشجار، لكن ليس للشرب أو الاستخدام المنزلي، وبالتالي نواجه مشكلة في المياه في منطقتنا التي يشتري معظم سكانها مياه معبأة للشرب، وأخرى للاستخدام اليومي التي تنقلها آليات من آبار خاصة توجد في مناطق قرب العاصمة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ورغم أن شبكة منظومة النهر الصناعي تغطي احتياجات الاستخدام اليومي لحي الدريبي في العاصمة طرابلس، يمتنع سكانه عن شربها ويجلبون المياه المعبأة. ويقول جمال المعلول الذي يسكن في الحي لـ"العربي الجديد": "نشتري مياها تحمل علامات مصانع معروفة لمحاولة ضمان جودتها رغم أن سعرها مرتفع، لكنني لم أفكر يوماً في تحليل المياه التي أشتريها للتأكد من سلامتها، لأنه لو تبين العكس فما البديل لدي".

وتشير صبحية عويلي التي تستخدم جهازاً لتحلية المياه في المنزل، في حديثها لـ"العربي الجديد" إلى أن "غالبية المنازل تلجأ إليها للحصول على مياه نقية للشرب عبر تحلية تلك التي توفرها منظومة النهر الصناعي للمنازل، لكنها تخلّت عن ذلك أخيراً لأن المياه المعبأة في المصانع بدت لها أكثر نقاء، ما جعلها تواظب على شرائها منذ أكثر من سنتين".

الصورة
تعتبر البنية التحتية للمياه متهالكة في لبيبا (عماد لملوم/ فرانس برس)
تعتبر البنية التحتية للمياه متهالكة في لبيبا (عماد لملوم/ فرانس برس)

ويعتبر الباحث الأكاديمي المتخصص في علوم التغذية، محسن سلامة، أن غالبية مصانع مياه الشرب تعمل من دون تطبيق المعايير المعتادة التي لم تطورها الجهات الحكومية أيضاً، باعتبار أن مشروع تطوير المواصفات لا يزال محفوظاً في الأدراج رغم أنه جاهز منذ عام 2016.

وكانت بلدية طرابلس قد حذرت عام 2017 المواطنين من استهلاك مياه الشرب المعبأة، بعدما حللت عينات من المصادر التي تستخرج المصانع المياه منها. وأوضحت البلدية، في بيان رسمي لها أصدرته حينها، أن 3 عينات من أصل 18 عينة جرى تحليلها لم تطابق المواصفات. ورغم أنها أكدت إحالة نتائج التحاليل لجهاز الحرس البلدي من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، لكن أياً من هذه المصانع لم تقفل أبوابها، بل زاد عددها في السنوات الأخيرة.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويلفت سلامة أيضاً إلى أن "غالبية المختبرات الرسمية التي يجب أن تؤمن حصول المصانع على تراخيص تعبئة المياه توقفت عن العمل منذ سنوات، والجهات الرسمية تمنح تراخيص لعمل المصانع وفقاً لنتائج مختبرات خاصة التي لا تستخدم التحليل البيولوجي الضروري للتأكد من سلامة العينات من الطفيليات، وتكتفي بالتحليل الكيميائي". يضيف: "كل التقارير الصادرة عن المتخصصين أو عن مركز الرقابة على الأغذية والأدوية تتحدث عن نقص كبير في الأملاح في قناني المياه المعبأة، فيما لم تدرس جودة القناني البلاستيكية التي تعيد معظم المصانع استخدامها بعد إعادة تدويرها، علماً أن مواصفات البلاستيك التي تحتويها غير مناسبة للبيئة أيضاً".

ويرى مواطنون كثيرون أن الجهات العلمية والرسمية لا تتوقف عن إطلاق تحذيرات من دون أن تقدم حلولاً. ويتحدث المعلول تحديداً عن أنه "شاهد رواسب داخل قناني بلاستيكية، وكل ما فعلته أنني ذهبت لشراء قناني بعلامات تجارية أخرى، وأنا مقتنع بأن كل العلامات لا تنظر لصحة المواطن الذي لا يملك إلا حل شراءها".

المساهمون