في مشهد جديد لمظاهر هامش الحرية الأكبر الممنوح لعمل النساء بعد الحرب، تقبل الليبيات على الالتحاق بكليات التدريب التابعة للشرطة. ويتحدث أحد مدربي معهد الشرطة في مدينة بنغازي، أمجد الكاديكي، لـ"العربي الجديد" عن بدء قبول دفعة جديدة من المتقدمات لكوادر الشرطة النسائية، مشيراً الى أن عدد اللواتي سجلن أسماءهن لخوض الاختبارات تجاوز المائة، مع استمرار فتح أبواب التسجيل. ويتوقع أن يرتفع عدد المتقدمات بعد تأمين مقر لإقامتهن من أجل تشجيع الراغبات في الالتحاق واللواتي يأتين من مدن بعيدة.
ويشهد إقبال المرأة على الانخراط في هذا النوع من الوظائف اهتماماً حكومياً، علماً أن وزارة الداخلية سترسل قريباً بالتنسيق مع بعثة الأمم المتحدة في البلاد عدداً من متدربات جهاز الشرطة القضائية الى الجزائر، من أجل تحسين قدراتهن.
ومؤخراً، أعلنت وزارة العدل الجزائرية استعدادها لتنظيم دورة تدريبية لـ15 ليبية ينفذن مهمات أمنية مرتبطة بالسجون في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وأوضحت أن "الدورة تهدف إلى تدريب الليبيات على معاملة السجينات بحسب المعايير الدولية المعتمدة"، مشيرة إلى أنها ستتضمن فقرات أخرى تشمل زيارة مؤسسات للإصلاح من أجل الاطلاع على أساليب تسيير إدارتها، وتدريب المشاركات الليبيات على اكتساب المعارف العلمية والمهارات العملية بحسب المعايير الدولية، ما سيساهم في ترقية نوعية أدائهن مع السجينات عموماً، وفي إصلاح منظومة العقاب في بلادهن".
وتشرح مسؤولة قسم حماية الأسرة بإدارة المديرات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية الليبية فاطمة العوامي أن "إدارة السجون تشهد الإقبال الأكبر للنساء، في حين تحظى شرطة المرور بالاهتمام الأقل بالنسبة إليهن، باعتبار أنهن لم يكسرن الحاجز المجتمعي الذي يمنع تسييرهن حركة المرور في الطرق، ما يجعل عملهن في مقار ثابتة بعيداً عن الاحتكاك بالناس أكثر أماناً لهن".
ولا تستبعد العوامي تزايد إقبال النساء على مهن أمنية أخرى مثل شرطة النجدة التي تنفذ عمليات اعتقال نساء يخرجن عن القانون، وإدارات الجوازات والجمارك التي تحتاج إلى عناصر تفتيش نسائية، وأن تتجاوز أعدادهن تلك الحالية.
وفي فبراير/ شباط 2020، أشرف معهد تدريب الشرطة في بنغازي على تخريج 35 شرطية، كما خرّج دفعة من 475 شرطية في مختلف الاختصاصات، أكثرهن في الشرطة القضائية في نهاية العام ذاته. ومنحت وزارة الداخلية حينها الخريجات ترقيات استثنائية من أجل تشجيع النساء على الانخراط في مهمات العمل الأمني.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، التقى وزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية خالد مازن، مع عدد من قادة الشرطة من النساء المكلفات أقسام فئتهن في طرابلس وبنغازي والجفرة، من أجل بحث مسألة تطوير قدرات المرأة في العمل الأمني.
وأشارت الوزارة في بيان إلى أن اللقاء ضم قيادات في الشرطة النسائية، بينهن رئيسة مكتب شؤون المرأة في الوزارة، ومسؤولة التطوير والتأهيل في الإدارة العامة للتدريب؛ ورئيسة قسم حماية الأسرة بمديرية أمن مصراتة.
وأورد البيان أن "اللقاء استعرض رؤية وزير الداخلية لتطوير قدرات المرأة، كما ناقش مع المشاركات الصعوبات التي تواجهها النساء في عملهن الأمني".
وترى العوامي أن بيان وزارة الداخلية يوضح أن عمل المرأة الليبية في أقسام الشرطة بات في مرحلة جديدة، وتوضح أن "اللقاء لم يناقش تشجيع المرأة، بل رؤية الوزارة في التطوير والتدريب، ما يعني أن العنصر النسائي فرض نفسه في العمل الأمني، علماً أن مشاركة المرأة كقيادية في اجتماع على مستوى الوزارة يشكل دليلاً آخر على أن المرأة قطعت مراحل متقدمة في عمل الشرطة".
من جهتها، تبدي الباحثة في مجال الاجتماع حسنية الشيخ تفاؤلها بإقبال المرأة على الوظائف الحساسة للشرطة في ظل الظروف الأمنية غير المستقرة السائدة في ليبيا، لكنها تبدي أيضاً اعتقادها بأن الانخراط الكثيف للمرأة في هذه الوظائف "قد يعكس شعوراً بعدم الأمان الذي تعيشه".
وتقول لـ"العربي الجديد": "ليست وظيفة المرأة الشرطية جديدة في ليبيا، رغم أن نسبة شغلها لها كانت قليلة نسبياً في السنوات السابقة، لكن الإقبال الكبير الأخير قد يرتبط بأسباب تتعلق برغبة المرأة في كسر حاجز القيد المجتمعي المفروض عليها، أو بعدم شعورها بالأمان في ظل تنامي ظاهرة التعدي على حقوقها وحريتها لأسباب عدة".
وتضيف: "فقدت الكثير من النساء أزواجهن خلال الحرب، وبقين بلا معيل أو رجل يحميهن. وترغب بعضهن اليوم في تحدي الحياة وظروفها بعدما فقدن الأمل في الزواج وتكوين أسرة، وتعزيز قدرتهن على مواجهة مصير مستقبلهن الغامض. وكل هذه العوامل تشير إلى القلق وعدم الشعور بالأمان، والتي ستزول مع تعزز حال الاستقرار في البلاد، تمهيداً لتحول ظاهرة المرأة الشرطية إلى عامل يخلق نوعاً من التوازن في مجالات الحياة والعمل في المجتمع".