اللغة الروسية باقية في قرغيزستان

11 ديسمبر 2020
تظاهرة ضد التعديلات الدستورية في العاصمة بيشكيك (فياشيسلاف أوسيليدكو/ فرانس برس)
+ الخط -

بعد جدل كبير أُثير في جمهورية قرغيزستان السوفييتية السابقة، حُسم الأمر لصالح الإبقاء على اللغة الروسية كلغة رسمية في البلاد إلى جانب القرغيزية، بموجب الدستور الجديد للبلاد الذي سيطرح للاستفتاء بداية العام المقبل. وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية المتكررة التي شهدتها قرغيزستان في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، إلا أن هذه الجمهورية تبقى ضمن مجال النفوذ الاقتصادي واللغوي الروسي في ظل توجه مئات آلاف الشباب منها إلى روسيا بحثاً عن الرزق.  

ويستبعد رئيس المركز الأوراسي للتحليل في موسكو، نيكيتا ميندكوفيتش، احتمال تراجع مكانة اللغة الروسية في قرغيزستان في الأفق المنظور في ظل وجود عدد من الشعوب الناطقة بالروسية في الجمهورية واعتماد اللغة الروسية كوسيلة للتواصل بين مختلف القوميات.  

ويقول ميندكوفيتش لـ "العربي الجديد": "صحيح أن مسألة نزع صفة اللغة الرسمية عن الروسية طرحت من قبل سياسيين راديكاليين، لكن رئيس الوزراء صادر جاباروف، عارض الأمر، بل ودعا إلى توسيع نطاق تدريسها، مؤكداً عزمه الحفاظ على كافة اتجاهات التعاون مع روسيا في مختلف المجالات". يضيف: "يعيش في قرغيزستان عدد من الشعوب الناطقة بالروسية، منها الروس والأوكرانيون واليهود. كما تستخدم اللغة الروسية للتواصل بين مختلف المجموعات الإثنية".  

بعد تفكك الاتحاد السوفييتي، كان هناك توجه لدى عدد من الجمهوريات السابقة مثل دول البلطيق الثلاث (لاتفيا وليتوانيا وإستونيا) وأوكرانيا، للابتعاد عن روسيا والحد من الاعتماد على اللغة الروسية والتضييق على السكان من أصول روسية.  

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

إلا أن ميندكوفيتش لا يرى مؤشرات لمثل هذا التوجه في قرغيزستان، مضيفاً: "لا أرى بوادر لمثل هذا التوجه في سياسات الدولة في قرغيزستان. لكن تدهور مستوى التعليم في المدارس أدى إلى تراجع مستوى تدريس جميع المواد، بما فيها اللغة الروسية. وقبل تفشي جائحة كورونا، كان عدد المغتربين القرغيز في روسيا يقدر بنحو 700 ألف، وهم يحتاجون إلى إتقان اللغة الروسية. صحيح أن عددهم تراجع بعض الشيء، إذ يسعى الناس في الظروف الحالية لأن يكونوا أقرب إلى عائلاتهم، لكن حركة العمالة الوافدة إلى روسيا قد تعود إلى سابق عهدها بعد انتهاء الأزمة الراهنة".  

وأعلن المجلس الدستوري القرغيزي في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أنه لم ينظر في مقترح نزع صفة اللغة الرسمية عن الروسية، مؤكداً أن مشروع الدستور الجديد يمنحها صفة اللغة الرسمية، مع الإبقاء على القرغيزية لغة الدولة.

وكان نواب برلمانيون قرغيز قد طرحوا منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مشروع قانون لإجراء استفتاء على الدستور الجديد للبلاد للنقاش، وذلك يوم الانتخابات الرئاسية المبكرة في 10 يناير/ كانون الثاني المقبل. واقترح أحد أعضاء المجلس الدستوري الإبقاء على لغة رسمية واحدة في البلاد بموجب الدستور، أي القرغيزية.  

وأثار هذا الاقتراح حفيظة موسكو. وأكد نائب رئيس مجلس الدوما (النواب) الروسي، إيغور ليبيديف، أنه سيتعين على روسيا في هذه الحالة دعم الروس المقيمين في قرغيزستان ودعوتهم إلى روسيا ومساعدتهم في إجراءات الحصول على الجنسية الروسية. مع ذلك، قال ليبيديف إنه لم يندهش نتيجة هذا التصرف من قبل قرغيزستان، لافتاً إلى أن غالبية الجمهوريات السوفييتية السابقة قامت بمثل هذه الخطوة.  

وهذه ليست أول مبادرة للتضييق على اللغة الروسية في آسيا الوسطى، إذ لا يتوقف في جمهوريتي كازاخستان وأوزبكستان الجدل حول انتقال اللغتين الكازاخية والأوزبكية من الأبجدية الصربية السيريلية (الأقرب إلى الروسية) إلى اللاتينية.  

ويعلق ميندكوفيتش على ذلك، قائلاً: "كانت هناك مخاوف من التضييق على اللغة الروسية في كازاخستان، ولكن الرئيس قاسم جومارت توكاييف أكد أن تدريسها سيستمر إلى جانب الروسية. وفي أوزبكستان، ألحق الانتقال إلى الأحرف اللاتينية ضرراً بإلمام السكان بالأوزبكية، إذ إن اللغة كائن حي لا يجوز قطعه بهذه البساطة".  

وفي الوقت الذي بدأت فيه أوزبكستان الانتقال إلى الأحرف اللاتينية منذ عام 1993، تبدي كازاخستان التي تعد من أبرز حلفاء روسيا في فضاء الاتحاد السوفييتي السابق تأنياً في هذه المسألة.  

وأكد توكاييف في حوار سابق مع صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية أن "تحديث الأبجدية الكازاخية تمليه الرغبة في توسيع إمكانيات التواصل للغة الكازاخية"، مؤكداً أن عملية الانتقال إلى الأحرف اللاتينية ستتم تدريجياً من دون "تسارع اصطناعي" ومع الاستفادة من خبرة الدول الأخرى في آسيا الوسطى.    


 

المساهمون