اللجوء في أوروبا... عودة شبح أزمة 2015

03 ديسمبر 2022
تعجز القارة الأوروبية عن تقاسم أعباء المهاجرين (فينشينزو سيركوستا/ فرانس برس)
+ الخط -

أعادت أزمة تقاذف مسؤولية مهاجري مركب "أوشن فايكنغ" بين فرنسا وإيطاليا في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي التذكير بأن الحلول التي أوجدتها القارة الأوروبية للتعامل مع أزمة الهجرة إلى دولها عام 2015 ما زالت غير قابلة للتطبيق. 
وأنقذ متطوعون من منظمة "إس أو إس ميديتريانيه" من الغرق غالبية الـ234 شخصاً الذين نقلهم المركب، ومعظمهم من أفريقيا، لكن التحالف الحاكم في إيطاليا برئاسة جيورجيا ميلوني، رفض استقبالهم بقرار اعتبر أكثر تطرفاً من وعد وزير الداخلية السابق ماتيو سالفيني عام 2017 عدم قبول بلده إنقاذ متطوعين في البحر الأبيض المتوسط، حيث غرق 2000 شخص هذا العام. ثم سمحت فرنسا برسو مركب الإنقاذ في موانئها تنفيذاً لقانون البحار الصادر عام 1979، والذي يقضي بمسؤولية الدولة الأولى الأقرب لسحب المركب إلى موانئها.
ولم ينه إنزال السلطات الفرنسية ركاب "أوشن فايكنغ" في أراضيها المعضلة، إذ اختفى غالبية القادمين من السودان وبنغلاديش وأفغانستان، وتوغلوا أكثر في قلب القارة بحثاً عن لجوء آخر، علماً أن تقديرات تشير إلى أنهم قد يحاولون العبور من فرنسا أو بلجيكا إلى بريطانيا. 
وأكد ذلك الوضع الصعب والضاغط الذي تعيشه القارة الأوروبية حتى بشكل لم تشهده في ذروة أزمة اللجوء بين عامي 2015 و2016، حين تدفق إليها حوالي مليون لاجئ، علماً أن دول القارة سجلت هذا العام قدوم أكثر من 600 ألف لاجئ عبر مساري البلقان والبحر الأبيض المتوسط. 
وسارع وزراء الهجرة والداخلية الأوروبيون إلى عقد اجتماعات طارئة في بروكسيل في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لبحث كيفية التعامل مع تزايد ضغط الهجرة، لكنهم لم يتوصلوا إلى نتائج حاسمة. وفي شوارع غير بعيدة عن مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل ينام منذ أشهر مئات من اللاجئين في العراء وتحت أدراج المحطات، وسط أجواء ماطرة وبرودة عالية.  

ويترافق ذلك مع وجود طوابير طويلة أمام مكاتب تقديم طلبات اللجوء التي لا تفتح سوى لأوقات قصيرة بسبب الضغوط الكبيرة، وكذلك أمام عيادتين متنقلتين لمنظمة "أطباء بلا حدود" التي تتعامل مع حالات انتشار الخناق (دفتيريا) والإسهال الشديد.
ويشكل ذلك حالة غير مسبوقة حتى في ذروة أزمة اللجوء عام 2015 أو تلك التي استجدت هذا العام بعد مغادرة 6 ملايين أوكراني بلدهم الذي يعيش حرباً روسية طاحنة، ما يعيد التذكير بعجز القارة العجوز عن انتهاج سياسة متضامنة ومشتركة حيال تقاسم الأعباء. 

واقع مخالف
وقد اقترب عدد طلبات اللجوء في دول الاتحاد الأوروبي الـ27 والنرويج وسويسرا وأيسلندا وليشتنشتاين من 600 ألف، بزيادة 58 في المائة عن العام الماضي، علماً أن شهر أغسطس/ آب الماضي شهد تقديم 84.500 طلب لجوء.
وفي "الفردوس الأوروبي" الموعود، يشعر اللاجئون أنفسهم بالإحباط والخداع من عيش واقع مخالف لما رُسم لهم، وبينهم حوالى 140 ألفاً عبروا البحر الأبيض المتوسط هذا العام، وجلهم شبان بلا زوجات. 

في شوارع بروكسيل (دورسم أيديمير/ الأناضول)
في شوارع بروكسيل (دورسم أيديمير/ الأناضول)

ويخبر المصري آدم (اسم مستعار) لـ"العربي الجديد" أن المهربين أقنعوه بأن تقديم لجوء في بروكسيل أسهل من مدن أخرى، لكنه يشعر بصدمة من الوضع السائد. ويقول: "المشكلة الآن أن السلطات البلجيكية أخذت بصمتي، ما يعني أنني لن أستطيع الذهاب إلى ألمانيا أو بريطانيا"، علماً أن القوانين الأوروبية الخاصة بـ"معاهدة دبلن" تقضي بإعادة اللاجئ إلى البلد الأول الذي وصل إليه في القارة.
وبين حوالي 3 آلاف شخص يعيشون مشردين في بروكسيل لم يقدم بعضهم طلبات لجوء، ما يمنع حصولهم على أبسط احتياجاتهم. 
ويتحدث بعضهم عن أنهم انتظروا أياماً في طوابير، وناموا في المكان ذاته تحت المطر ملتحفين ببطانيات أو أكياس نوم حصلوا عليها من منظمات إغاثة، في حين يشير آخرون إلى أن رحلة العيش في العراء ستستمر أسابيع أخرى لأنهم حصلوا على مواعيد لإجراء مقابلات خاصة بالهجرة نهاية العام الحالي أو بداية العام المقبل.

ويذكر المتطوع في مساعدة اللاجئين البلجيكي مغربي الأصل كريم بن مصطفى لـ"العربي الجديد" أن "الأوضاع صعبة جداً، وتحدث شجارات كثيرة بين لاجئين يشعرون بخيبة أمل، فنحاول تهدئة الوضع ونقدم ما نستطيع. وما يحزنني بدرجة كبيرة وجود نساء أفريقيات مع أطفال، وبعضهن أنجبن أولادهن وهن قاصرات". يضيف: "لا يمكن تخيل كيف تصبح رائحة أجساد من يعيشون في العراء، في ظل غياب القدرة على الاستحمام". 

ندوب نفسية
بدوره يقول متطوع في "أطباء بلا حدود" يدعى دافيد لـ"العربي الجديد": "يزيد الوضع المأساوي الندوب النفسية التي يحملها هؤلاء معهم من أوطانهم خلال رحلة اللجوء الشاقة. لقد تحسن الوضع جزئياً مقارنة بالأشهر السابقة لكنه يبقى مأساوياً، وقد اكتشفنا مصابين كثيرين بالخناق (دفتيريا) بسبب عدم تلقيهم لقاحات، وبطء السلطات في الاستجابة للمطالب".

ألمانيا غير قادرة على استيعاب مزيد من المهاجرين  (آدم بيري/ Getty)
ألمانيا غير قادرة على استيعاب مزيد من المهاجرين (آدم بيري/ Getty)

وبعيداً عن تشكيل ملايين الأوكرانيين الفارين من بلدهم بسبب الحرب مع روسيا ضغطاً كبيراً على دول القارة، تفيد الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل (فرونتكس) بأن أكثر من 128 ألف لاجئ قدموا عبر مسار البلقان خلال الفترة بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين، بزيادة 168 في المائة عن 2021، و35 ألفاً من البحر المتوسط بزيادة 122 في المائة عن 2021، بينما أبحر من وسط المتوسط (تونس وليبيا) أكثر من 85 ألف لاجئ بزيادة 59 في المائة عن العام الماضي. 
وشهدت بريطانيا وصول أكثر من 62 في المائة (سواء عبر المانش أو بلجيكا وغيرها)، بزيادة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي. كما استقبلت دول البلطيق الصغيرة حوالى 5 آلاف لاجئ.
ورغم أن السلطات الفرنسية والبريطانية أوقفت تهريب حوالى 20 ألف لاجئ من كاليه إلى بريطانيا، تشير الأرقام إلى تكثيف هذه العمليات التي يجني منفذوها باستخدام قوارب مطاطية ملايين الدولارات.

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

ويدفع تزايد عمليات التهريب نحو أوروبا بعض السلطات إلى رفع منسوب جهوزيتها. وقال رئيس اتحاد المدن (البلديات) في ألمانيا، هيلموت ديدي، أخيراً أن "مدناً عدة غير قادرة على استيعاب المزيد"، علماً أن سلطات برلين باشرت إشراك الصالات الرياضية وإقامة معسكرات بعدما امتلأت مراكز الاستقبال إلى أقصى حد. 
وفي هولندا، تعاني بعض الصالات الرياضية من اكتظاظ منذ نهاية صيف العام الحالي، وتوفي طفل رضيع في نهاية أغسطس/ آب الماضي بسبب ذلك. ووصفت منظمة "أطباء بلا حدود" الظروف بأنها "غير إنسانية في ظل عدم توفر حمامات وعدم تنظيف المراحيض". 
وفي النمسا التي شكلت عام 2015 نقطة عبور لمئات آلاف اللاجئين القادمين من المجر، يتوقع أن يصل عدد طالبي اللجوء هذا العام إلى 100 ألف، بزيادة قدرها ثلاثة أضعاف مقارنة بالعام الماضي. 

مسارات ناشطة
أيضاً عاد مسار البلقان باعتباره الطريق الأكثر ازدحاما نحو الاتحاد الأوروبي، وهو يبدأ عادة في تركيا أو اليونان، ويتحرك غرباً عبر أوروبا الشرقية. وهذا العام نمت حركة عبوره بنسبة 168 في المائة مقارنة بالعام الماضي.
وقالت خبيرة الهجرة والنظام العالمي في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية أحلام شملالي لصحيفة "بوليتيكن" الدنماركية: "زيادة تدفق اللاجئين هو انعكاس لعاصفة الأزمات العالمية التي تدفع الناس في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا إلى البحث عن هجرة إلى أوروبا الآن. وتضافر أزمات وباء كورونا والتضخم والغذاء والطاقة، تجعل الطوابير أطول". 
وتشير إلى أن "معظم اللاجئين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط هذا العام هم من مصر وتونس وبنغلاديش. وشبكات الاتجار بالبشر تغتنم بسرعة الفرصة بمجرد ظهور الأزمة. وفي مصر وتونس ظهرت طرق جديدة للهجرة بسبب الأزمات السياسية والاقتصادية. وينطلق اللاجئون من مصر إلى شرق ليبيا، ثم يعبرون البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا".
ولا يتوقع الخبراء أن تتراجع أزمة اللجوء إلى أوروبا في ظل تزايد تردي أوضاع شعوب الجنوب. ويعتبر بعضهم أن الأزمات العالمية الكبرى ستزيد الضغط على القارة الأوروبية، رغم عجزها منذ أكثر من 7 سنوات عن الاتفاق على تطبيق سياسة مشتركة. 

المساهمون