الكِتِر... الإكسير

20 ابريل 2023
النباتات مصدر إكسير الحياة المتمثل في الأوكسجين (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

أثارتني صرخة تحذير أطلقها أحد المهتمين بقضايا الموارد، حين أشار إلى الإهلاك المتزايد لأشجار الكِتِر رفيقة الهشاب في إنتاج الصمغ، كما اتهم أصحاب النظرة البيئية المتواضعة بإعدام عشرات الآلاف من هذه الأشجار لتشييد حظائر مؤقتة (زرائب) للبهائم، أو مبانٍ لا يمكثون فيها كثيراً.
شغف البعض بربط مكونات البيئة حولنا بأساطير بينها أن مسمى (الكِتِر) يشير إلى (الإكسير)، ولعلّ في ذلك شيء من الحقيقة التي تقول إن النباتات عموماً توفّر للبشرية نحو 80 في المائة من الطعام. ويضاف إلى ذلك حقيقة أن النباتات هي المصدر الرئيس لإكسير الحياة المتمثل في الأوكسجين، بيد أن إكسير الحياة أو إكسير الخلود في الأسطورة عقار يضمن الحياة الأبدية لمن يشربه، فهل من رابط؟
استخدم مفهوم الشجيرة في الفولكلور والتراث والمرويات والأساطير للتعبير عن الخلود والخصوبة. ويطلق النوبيون على شجرة الكِتِر مسمى (أوروم أو أورومو)، وهي من الأكاشيا المنتجة للصمغ العربي، غير أن صمغها ليس أفضل من صمغ الهشاب. 
تنمو شجيرات الكِتِر في المناطق السهلية الطينية، وتتميّز بفروعها المتشابكة، وأوراقها البيضاوية الكثيفة، ما جعل الإبل والأغنام تفضلها على سواها، كما تشتهر بأشواكها الحادة القاسية، ومتانة أخشابها، ومنها تصنع أدوات الصيد الخشبية كالسفروق أو المجداع.
قال الشاعر السوداني الراحل (حُمّيد):
"كِترْ الشوق.. لي الشُّوفة.. آ خَيْ
ضارب فِطْن النَّسْج الحَيْ
يا مُنْقاشُو أحزاني انْشرَّت
وادي الفرح إتمدَّد صَيْ"
وهو يشير هنا إلى حّدة أشواك الكِتِر التي شبهها بشوقه العارم الذي يضرب عميقاً في نسيجه الحي، و(فِطْن) تعني (في بطن). ذلك أن أداة انتزاع الأشواك (المُنْقاش) لم تنفع مع تمدّد صحارى الحزن، وقد أحالت وادي فرحه إلى صحراء قاحلة.
نعم النباتات هي إكسير الحياة، ومن دونها لا وجود لكثير من المظاهر الحيّة، ولا هطول للمطر الذي يجلب الماء أحد أسباب الحياة. كذلك دخلت النباتات في صناعات عصرية تذهل كل قصير نظر، إذ توصل علماء ألمان إلى طريقة لاستخلاص عنصر كيميائي من النبات له سرعة فائقة في نقل الموجات الكهربائية هي الجرمانيوم التي دخلت في صناعة أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية وكابلات الألياف الضوئية، وغيرها. وما زال الخبراء المهتمون بعالم الأشجار والنباتات يحاولون حماية الأشجار من كوارث الطبيعة وتدخلات الإنسان. فهل تصل الرسالة إلى من يقطع نصف غابة كي يحمي بضعة أغنام لليالٍ؟

(متخصص في شؤون البيئة)

المساهمون