استمع إلى الملخص
- الأمم المتحدة ومنظمات دولية تعبر عن قلقها إزاء تفشي الكوليرا، مع تأثير شديد على الأطفال دون الخامسة، مما يستدعي تدخلات صحية وإنسانية عاجلة لمواجهة الوباء ودعم النظام الصحي.
- توقيع برنامج بقيمة 3 ملايين دولار بين مركز الملك سلمان للإغاثة ومنظمة الصحة العالمية للحد من انتشار الكوليرا في اليمن، يركز على الوقاية، العلاج، وتعزيز البنية التحتية للمياه والصرف الصحي.
كانت فاطمة في الرابعة من العمر حين عانت من إسهال حادّ من دون أن تعرف أسرتها أنها مصابة بمرض الكوليرا، واعتقدت أنها تعاني من مرض عارض سينتهي بعد أيام. وبعدما ساءت حالتها الصحية، اضطُرت أسرتها إلى إسعافها في مركز صحي بمنطقتها التابعة لمحافظة تعز جنوب غربيّ اليمن، لكنها فارقت الحياة.
تعتبر فاطمة من بين عشرات توفوا بمرض الكوليرا الذي يجتاح اليمن، في ظل ضعف القطاع الصحي في البلد الذي يعاني من تأثيرات الحرب التي اندلعت عام 2015. ويسجل اليمن أرقاماً مخيفة في عدد المصابين بالكوليرا، في ظل تسارع وتزايد أعداد المصابين نتيجة عدم الحصول على مياه نظيفة للشرب، وانعدام سبل الوقاية من المرض. وتتحدث تقارير عن رصد نحو 38 ألف إصابة مشبوهة بالكوليرا في كل محافظات اليمن منذ مطلع العام الحالي.
وأعرب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، عن قلقه العميق من تفشي وباء الكوليرا، وأبلغ مجلس الأمن الدولي خلال جلسة عقِدت في 13 مايو/ أيار الماضي، أن "الكوليرا ينتشر بسرعة في اليمن، ويجري الإبلاغ عن مئات الحالات يومياً، في حين وصل إجمالي العدد إلى نحو 40 ألفاً، وسجلت 160 حالة وفاة منذ مطلع العام الحالي".
عدد إصابات الكوليرا المسجلة في أنحاء اليمن يناهز الألف يومياً
وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، في تقرير أصدره في 12 مايو/ أيار الماضي، أن "عدد الإصابات المشبوهة بالكوليرا في اليمن يناهز الألف يومياً". وتوقع أن يرتفع عدد الإصابات في اليمن إلى 255 ألفاً بحلول سبتمبر/ أيلول المقبل".
وحدد "إنفوغرافيك" نشرته كتلة المياه والصرف الصحي والنظافة، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، عدد الإصابات التي أُبلِغَت الجهات الصحية عنها في عموم محافظات اليمن خلال الفترة الممتدة بين الأول من يناير/ كانون الثاني إلى 19 مايو/ أيار الماضيين بـ37977 إصابة. وأشار إلى أن أغلب الحالات المسجلة توجد في المحافظات التي تخضع لسيطرة جماعة الحوثيين، وفي مقدمها محافظة عمران التي رصدت 5 آلاف إصابة فيها، ثم حجة وصنعاء والمحويت والبيضاء وذمار وإب وصعدة، وذلك نتيجة تردي الخدمات الصحية، ومنع توزيع اللقاحات.
ويرجّح مراقبون صحيون أن يكون عدد الإصابات بالكوليرا في اليمن أكبر بكثير من هذا الرقم، في ظل عجز معظم الحالات عن الوصول إلى المراكز والمرافق الصحية، خصوصاً في الأرياف. يقول المسؤول الإعلامي لمكتب الصحة في تعز، تيسير السامعي، لـ"العربي الجديد": "انتشر الكوليرا في عدد من المحافظات، وفي تعز تجاوز عدد الإصابات التي أُبلغ عنها الـ1200، وهناك نحو 300 حالة ونحو 13 حالة وفاة مؤكدة، ما يعني أن الناس أصبحوا عرضة للخطر".
ويضيف أنه "حتى الآن تعد الحالات قليلة جداً مقارنة بالأعوام الماضية، ففي عام 2019 سُجلت أكثر من 10 آلاف حالة ونحو 40 وفاة خلال شهر واحد. مرض الكوليرا من بين نتائج الحرب التي فرضت على اليمنيين، وظهر عام 2016 بسبب ظاهرة النزوح وكثرة المخيمات، ثم أدت موجة كبيرة له إلى إصابة مئات الآلاف عام 2017 . واستمر ذلك في العام التالي، ثم كان عدد الحالات كبيراً جداً عام 2019، ثم بدأ يتلاشى في الأعوام التالية قبل أن تظهر حالات جديدة هذا العام".
وقالت شبكة نظام الإنذار المبكر بالمجاعة إن "الارتفاع الحادّ في حالات الكوليرا بالمحافظات زاد المخاوف من تفاقم أزمة انعدام الأمن الغذائي الحادّ بين ملايين السكان، خصوصاً بين النازحين الذين يعدون الأكثر عرضة للإصابة بالوباء بسبب ظروفهم المعيشية المزدحمة، وسوء مرافق النظافة في المخيمات". وأشارت الشبكة إلى أن "الكوليرا يرفع حجم الإنفاق الصحي للأسر للحصول على علاج على حساب تأمين الاحتياجات الغذائية الملحّة، كذلك فإن الإصابة به قد تقلل من عدد أفراد الأسرة القادرين على كسب الدخل، ما يعني موارد أقل لا تكفي لتلبية المتطلبات الضرورية للعيش". وأوضح التقرير أن "معظم المتضررين من الكوليرا في أنحاء اليمن أطفال دون سنّ الخامسة، ما يزيد خطر تفاقم سوء التغذية الحادّ بينهم، خصوصاً في ظل وجود 600 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حادّ، وفق تقارير أممية".
وكان مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية قد وقّع أخيراً برنامجاً تنفيذياً مشتركاً بقيمة 3 ملايين دولار مع منظمة الصحة العالمية للحدّ من انتشار الكوليرا في أنحاء اليمن، وذلك على هامش الدورة الـ77 للجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية التي استضافتها مدينة جنيف السويسرية.
وسيتصدى الاتفاق لانتشار مرض الكوليرا في اليمن من خلال تنفيذ مجموعة أنشطة للوقاية والعلاج، وتأمين اللقاحات والأدوية والمستهلكات الطبية للمختبرات المركزية، وتوفير معدات الحماية الشخصية للكوادر الطبية. وستشمل الأنشطة دفع الميزانيات التشغيلية لحملات التطعيم وفرق الاستجابة السريعة، وتنفيذ أنشطة لتقصي الوباء، ودعم أخرى أساسية في قطاعي المياه والإصحاح البيئي. ويشدد مراقبون في اليمن على ضرورة اتخاذ إجراءات الوقاية كافة للحدّ من تفشي الوباء بالتنسيق مع الجهات المعنية كافة، وتضافر جهود الجميع وتكثيف حملات التوعية في أوساط المجتمع، ومختلف وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، عن أسباب وباء الكوليرا وكيفية الوقاية منه.
ويواجه اليمن أعباءً كبيرة من الأمراض والنزاعات المسلحة، ويحتاج 17.8 مليون شخص لتوفير المساعدة الصحية. ومن بين هذا العدد، 24 في المائة من النساء اللواتي يحتجن إلى الوصول إلى خدمات طبية وصحية إنجابية متنوعة. ويمثل الأطفال 50 في المائة من المحتاجين، وبينهم 540000 طفل دون سن الـ5 سنوات يحتاجون إلى علاج منقذ للحياة من الهزال الشديد، علماً أن 10 في المائة منهم يعانون من سوء تغذية حادّ مع مضاعفات طبية، ويحتاجون إلى رعاية داخلية متخصصة.