"الكراجات الوهمية"... ابتزاز العراقيين يتواصل

يشكو العراقيون من انتشار "الكراجات الوهمية" في المناطق التجارية والطبية وحتى السكنية التي تضيّق على أصحاب السيارات وتبتزهم، وهي ظاهرة انتشرت في العاصمة العراقية بغداد بعد عام 2003، ثم امتدت إلى بقية محافظات ومدن البلاد.
وتتمثل الظاهرة باتخاذ مجموعة من الأشخاص موقعاً أو مساحة من شارع معيّن ليكون موقفاً للسيارات مقابل استيفاء أموال من أصحاب السيارات، وغالباً ما تكون هذه المواقف أو الكراجات قريبة من التجمعات التجارية أو المستشفيات وغيرها من المناطق التي يكثر إقبال الناس عليها، مع افتقارها لخدمة ركن السيارات العمومية أو الخاصة.
ويصف العراقيون الظاهرة بأنها نوع من الابتزاز وفرض الإتاوات، مؤكدين أن الأمر ليس خافياً على الجهات الأمنية، وأن الكثير من المواطنين وأصحاب المحال التجارية قدموا شكاوى ولم يستجب لهم.
في شارع متفرع من شارع رئيسي في جانب الرصافة من بغداد، استغلت مجموعة من الشباب مساحة نحو ثلاثين متراً، وباتوا يفرضون أجراً على أصحاب السيارات التي تركن فيها. ويقول مثنى عبد الحافظ الذي يسكن في المنطقة، لـ"العربي الجديد": "سرعان ما وسّع الشباب عملهم ليفرضوا دفع أموال على من يركنون سياراتهم داخل الطرق الجانبية. الشارع تنتشر فيه محال تجارية ومكاتب محامين وعيادات أطباء، ولا تهدأ الحركة فيه على مدار اليوم، إذ يقبل الناس لمراجعة الأطباء أو المحامين أو التبضع، فيركنون سياراتهم على جانبي الشارع الذي حين يزدحم أحيانا يلجأ الناس إلى ركن سياراتهم في الأزقة السكنية المجاورة".
يضيف عبد الحافظ: "نحو خمسة شبان يعملون في هذه المنطقة، ويفرضون أموالاً على السيارات التي تركن في شارع عام، وهم يظهرون دائماً أنهم ينتمون إلى جهة مسلحة، لذلك يتحاشى الجميع الاصطدام بهم، ويجنون في اليوم الواحد ما لا يقل عن 800 ألف دينار (600 دولار)".
يقول رجل أمن يعمل في دورية للشرطة في بغداد تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم ذكر اسمه: "إنها مهنة سهلة ومتاحة ومربحة، وشرطها أن تكون مدعوماً من جهة ما. الجهات المسلحة عديدة، وجميعها لها سلطة تمنعنا من الاصطدام بهم، أو منعهم من ممارسة تلك المخالفات".
ويضيف: "دائماً ما نتحدث مع أشخاص يرتكبون مخالفات، سواء فرض أجور على أصحاب سيارات يركنونها على جانب الطرق، أو ممارسة عمل ما في مكان غير مصرح به، فيبرزون لنا ما يدلل على ارتباطهم بجهة مسلحة، عندها نتجنب الصدام المباشر، ونبلغ إداراتنا كي تتخذ الإجراء اللازم".

وكثيراً ما وقعت صدامات بين جهات أمنية رسمية ومليشيات مسلحة داخل المدن العراقية، إثر قيام المليشيات أو أحد أفرادها بمخالفة ما، وفي بعض تلك الصدامات سقط قتلى ومصابون من الجانبين. وليس غريباً في العراق أن يتجاوز مسلحون ينتمون لمليشيا ما أو قبيلة قوية، القانون علناً، وعلى مرأى ومسمع الجهات الأمنية، وذلك لتمتع هذه الجهات المسلحة بالقوة والنفوذ.
يؤكد سعد العبادي لـ"العربي الجديد"، أنه "مطلع عن قرب على كيفية استغلال الأشخاص الشوارع ليبتزوا الناس من خلالها باتخاذها كراجات. أحد أقاربي لديه علاقات مع قيادي في مليشيا مسلحة، وقد استولى قبل أكثر من تسع سنوات على جزء من شارع تجاري مزدحم في شمالي بغداد، واتخذه كراجاً، والقيادي المليشياوي سهّل له العمل في بداية الأمر، إذ أوقف بالقرب منه مجموعة مسلحة مع عجلة عسكرية، وسريعاً ما اشتهر قريبي بكونه يتبع هذه الجهة، وهذا يكفي حتى لا يتعرض له أحد من أصحاب المحال أو السكان في المنطقة التي احتل أرصفتها أيضاً وحولها إلى كراجات. وهو يشرف على كراجاته التي يعمل عليها عدد من الشباب على مدار نحو 12 ساعة يومياً، ويتحصل على أرباح جيدة، يعطي جزءاً منها لصاحبه الذي يوفر له الحماية".
وتصل شكاوى كثيرة إلى الجهات الرسمية حول استغلال الشوارع وأزقة الأحياء السكنية وتحويلها إلى كراجات للتكسب غير الشرعي. وفي مطلع أغسطس/آب الماضي، أعلنت "أمانة بغداد"، وهي الجهة المسؤولة عن الخدمات البلدية بالعاصمة العراقية، إطلاق حملة لمحاسبة أصحاب الكراجات الوهمية، بدعم من وزارة الداخلية، وقامت باعتقال العشرات منهم.

قضايا وناس

التحديثات الحية

قيادة السيارات في شوارع بغداد: مهمة شاقة بمواجهة الفوضى

وأيد العراقيون هذه الحملة، وأكدوا ضرورة استمرارها، لكن كثيرين يرون أنها لن تكون كافية مع عدم وجود عقوبات رادعة. يؤكد حيدر الحسناوي، وهو مختص بإصلاح أجهزة التكييف، أن عمله يفرض عليه التنقل بين المناطق، ما يوجب عليه أن يركن سيارته في أماكن مختلفة، ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنه يواجه باستمرار أصحاب الكراجات الوهمية، ويضطر إلى دفع ما يسميها "خاوة" باللهجة المحلية.
يضيف الحسناوي: "في إحدى المرات ركنت سيارتي في مكان، فظهر شابان، وطالباني بالمال، وقالا لي إنهما استأجرا المكان وحولاه إلى كراج. لاحقاً، اكتشفت أن رجل المرور سجل مخالفة بحقي، ويبدو أن الشابين يمزقان أي وصل مخالفة يضعه رجال المرور على السيارات لضمان استمرار ابتزازهما للآخرين".
ويقول عمر هادي، الذي يعمل سائق سيارة أجرة، لـ"العربي الجديد": "رحبنا بالحملة التي شنتها أمانة بغداد، لكني لا أعتقد أنها ستستمر، فليست هناك عقوبات رادعة، ما يعني أنه لن يكتب لهذه الحملة النجاح، بالإضافة إلى أن هناك من هم فوق القانون، وهناك من يدعمون الأعمال المخالفة، ومن بينها الكراجات الوهمية".