القنب الهندي... ألمانيا في مواجهة تشريع الاستهلاك

08 نوفمبر 2021
مطالبة بتشريع القنب الهندي في ألمانيا (كارستن كول/ Getty)
+ الخط -

بعد أسابيع على إعلان نتائج الانتخابات العامة التي أجريت في ألمانيا في سبتمبر/ أيلول الماضي، يواصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي والحزب الليبرالي وحزب الخضر محادثات تشكيل الحكومة الائتلافية مع انتهاء الولاية الرابعة للمستشارة أنغيلا ميركل التي قررت اعتزال العمل السياسي بعدما أمضت 16 عاماً في السلطة. وبين القضايا والملفات التي تناقشها هذه الأحزاب الثلاثة التشريعات الخاصة بالسماح بحيازة واستهلاك القنب الهندي (الحشيش)، بهدف حماية القاصرين وسحب تداول المادة من السوق السوداء، وفرض ضرائب عليها قد تصل الى مليار يورو (1.15 مليار دولار) سنوياً. 
لكنّ سياسيين وقادة في الشرطة ومسؤولين عن الرعاية الصحية والطبية يعارضون إضفاء شرعية على الحشيش، ويطلقون تحذيرات من اعتماد هذا التوجه الذي يكسر استراتيجية الحظر المفروض في ألمانيا، وكذلك من التوافق على تشريع جزئي كما هي الحال في هولندا. 
ومن المعلوم أنّ حيازة واستخدام الحشيش في ألمانيا ممنوعان بحسب قانون المخدرات الذي يوجه تهمة ارتكاب جريمة جنائية لأي شخص لا يملك ترخيصاً بشراء المادة، علماً أنّ الإذن الخاص يمنح في حالات استثنائية فقط، استناداً إلى وصفة من طبيب لغرض صحي. وبلا هذا الإذن يواجه الشخص الذي تضبط كميات حشيش معه عقوبة السجن لمدة تصل الى خمس سنوات، أو دفع غرامة مالية. 

الحشيش واقع اجتماعي
لم يتردد زعيم كتلة الليبرالي الحر في برلمان ولاية بافاريا مارتن هاغن الذي يشارك في مفاوضات الائتلاف الحكومي في تأييد البيع المنظم للحشيش الخاضع للرقابة في متاجر متخصصة ومرخصة، لأنّه يعتبر أنّ بناته سيتعاملن معه عاجلاً أم آجلاً في باحة المدرسة، وهذا تحديداً أحد الأسباب التي تجعل حزبه يطالب بتشريع الحشيش وترخيص تجارته. ويقول: "يكفل بيع الحشيش في صيدليات أو متاجر حماية القُصر والمستهلكين، ويضمن جعل مادته غير ملوثة وخالية من المخاطر الصحية العالية. وسيريح الإجراء الشرطة ويجعلها تنصرف إلى الاهتمام بأشياء أكثر أهمية، علماً أنها تتعامل مع أكثر من 200 ألف حالة مرتبطة بالحشيش سنوياً".
ويؤيد حزب الخضر أن تشريع الحشيش "سيسهل السيطرة على السوق الشرعي، ويسمح للدولة بتوفير أموال الإجراءات والمحاكمات الجنائية التي يخضع لها مرتكبو الانتهاكات الخاصة بحيازته واستهلاكه والاتجار به، وكذلك تكاليف زجهم في السجن بعد إصدار أحكام عليهم. كما ستستطيع الدولة جمع المزيد من الضرائب". 

أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي فكان قد تحدّث في بيانه الانتخابي عن أن "الحشيش بات واقعاً اجتماعياً يجب التعامل معه، وليس مقاضاة من يستحوذ على كميات صغيرة منه"، حتى إن خبير الصحة في هذا الحزب النائب كارل لوترباخ أعلن بعد سنوات من الرفض أنه يدعم منح الائتلاف الحكومي المقبل "الضوء الأخضر" لتشريع الحشيش، وقال لـ"شبكة ايه آر دي" الإخبارية: "من المفيد تشريع الحشيش لتجنب خلطه بأنواع من الهيرويين، وهو ما يحصل غالباً في الأنواع التي تباع في شكل غير قانوني في الشوارع، والتي تدفع متعاطيها الى إدمان الهيرويين بسرعة".

رفض نقابات الشرطة 
واللافت أن نقابة اتحاد الشرطة الألمانية كانت قد حذّرت المشاركين في مفاوضات تشكيل الائتلاف الحكومي من تشريع الحشيش. وأبلغ المسؤول الإداري في الشرطة الاتحادية أوليفر مالشو صحيفة "اوسنابروكر تسايتونغ" أنه "ليس منطقياً فتح الباب أمام استخدام عقار آخر خطير وغير مهم في أحيان كثيرة، علماً أن تشريع الكحول الأقل خطورة يزيد حجم المخاطر الصحية وحتى الأمنية، في حين أن قرار التشريع لن يقضي أيضاً على تجارة السوق السوداء". 

الكحول الأقل خطراً من الحشيش تتسبب بمشاكل (أندريات غيربرت/ Getty)
الكحول الأقل خطراً من الحشيش يتسبب بمشكلات (أندريات غيربرت/ Getty)

كذلك عارض الرئيس الفيدرالي لـ "اتحاد الشرطة الألماني" راينر فيندت بشدة الموافقة على تشريع الحشيش باعتباره "سيؤدي إلى عواقب وخيمة، خصوصاً على مخالفات المرور على الطرقات، ويزيد عدد الحوادث التي ستتسبب في إصابات كثيرة، وربما وفيات"، وقال: "سيكون التشريع بداية لمستقبل ضبابي لا يخدم هدف التوجه إلى ألمانيا حديثة". أما نائبة رئيس الشرطة سابين شومان فقالت لبرنامج "ار بي بي زندونغ": "يجب أن نعارض تشريع الحشيش، فالنظر إلى خارج حدودنا وإلى هولندا تحديداً يؤكد أن مشروع إطلاق العنان لاستخدام المخدرات قد فشل. وتعاني هولندا حالياً من تزايد الجريمة، بدلاً من أن تتناقص". 

حصيلة الأضرار
أما أبرز الانتقادات التي وجهت إلى نوايا تشريع الائتلاف الحكومي المستقبلي للحشيش، فأصدرتها الجمعية الطبية الألمانية أخيراً، من خلال تحذيرها من مخاطر كبيرة محتملة على صحة المستهلكين، ومن عواقب على أنظمة الرعاية الطبية، وتهديدات بتزايد حالات الانتحار. واقترحت بالتالي أن تطلق الحكومة برنامجاً لبحث المؤشرات المحتملة والآثار الجانبية للاستخدام الطبي للحشيش.
ويؤكد خبراء صحيون أن الحشيش قد يضعف التركيز والذاكرة والأداء المعرفي، ويؤثر بشدة على الدماغ، خصوصاً لدى المراهقين. كما يحتمل أن يعزز خطر الإصابة بالانفصام، في حين يلحق استهلاكه لفترات طويلة أضراراً بالرئتين.

سياسيون يعتبرون أن تشريع الحشيش سيسهل عمل الشرطة (Getty)
سياسيون يعتبرون أن تشريع الحشيش سيسهل عمل الشرطة (Getty)

ونقلت شبكة "ايه آر دي" الإخبارية عن دراسة أميركية حديثة أن استخدام الحشيش يضاعف تقريباً من خطر الإصابة بالنوبة القلبية بين الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 45 عاماً. وأكد هذا الأمر الطبيب النفسي أولم مكسيميليان الذي اعتبر في حوار مع موقع "شبيغل أون لاين" أن "الحشيش يضر الدماغ، خصوصاً لدى المراهقين".

قضاة مع التشريع
في المقابل، قال قاضي الأحداث في بيرناو، اندرياس مولر، الذي يكافح منذ سنوات لتشريع الحشيش، إنه يجب اعتماد آلية منظمة للإفراج عن الحشيش للأشخاص الذين يتجاوزون 18 عاماً، مع الأخذ في الاعتبار كل الإجراءات الوقائية، وتدابير تقديم المساعدة الصادقة للمتضررين، وحماية الشباب بدلاً من تجريمهم. ورأى أن التشريع سيخلق "أريحية أكبر" في طريقة التعاطي بين الشرطة والشباب. 
ولاقى هذا الطرح اعتراضاً من عدد من وزراء الداخلية الولايات، بينهم وزير داخلية ولاية بافاريا يواخيم هيرمان، الذي ينتمي إلى الحزب الاجتماعي المسيحي، والذي تحدث عن مخاوف الأهل من تشريع الحشيش والعواقب الكبيرة على المستهلكين، وبينها فقدان كثيرين رخص قيادتهم، وقال: "تشريع الحشيش سيكون علامة خاطئة تماماً، وسيجلب بؤساً أكبر للناس من السعادة. من الوهم الاعتقاد بأن التشريع سيسمح بالسيطرة على المشكلة في ساحات المدارس، رغم أنه أقل خطورة من مخدرات أخرى مثل الكوكايين أو الهيرويين". 

وكانت مفوضة المواد المخدرة في الحكومة الاتحادية دانييلا لودفيغ قد دعت أخيراً إلى اعتبار حيازة كمية معينة من الحشيش جنحة إدارية وليس جريمة جنائية. ورأت أن تحديد الحد الأقصى بـ 6 غرامات مقبول على مستوى البلاد.
من جهته، قال الباحث قي علم الجريمة بجامعة ماسترخت روبن هوفمان: "سيؤدي السماح بتوفير مقاهي الحشيش للاستخدام الشخصي، من دون أن يشمل ذلك متاجر لشرائه في شكل قانوني، إلى ملء عصابات المخدرات هذه الفجوة من خلال شبكات توزيع تديرها. وسيتطور ذلك إلى تجارة الكوكايين التي تجني العصابات أموالاً أكثر منها، ما يسمح لها بزيادة تهديد المجتمع وتخريبه، وتقويض مؤسسات الدولة، علماً أن الأموال المشبوهة من تجارة الكوكايين تستثمر بطرق ملتوية في الأسواق". 
يذكر أن بلجيكا وهولندا أصبحتا في الأشهر الأخيرة محورين رئيسيين لتهريب الكوكايين إلى أوروبا، وتجاوزتا إسبانيا كطريق رئيس، بحسب ما كشفه تقرير لوكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول) أخيراً، والذي أشار إلى أن المنظمات الإجرامية تستغل زيادة إمدادات الكوكايين، لا سيما من كولومبيا، لاستخدام موانئ روتردام في هولندا وأنتويرب في بلجيكا لإدخال المخدرات. وأشار إلى أن الاستخدام المتزايد لنقل البضائع في حاويات بالاعتماد على القدرات الكبيرة لمحطات موانئ أنتويرب وروتردام وهامبورغ "عزز دور هولندا كمنطقة عبور".

المساهمون