الغلاء ينغّص فرحة الليبيين بعيد الفطر

03 مايو 2022
الحلويات تُباع في أحياء رديفة بأسعار أقلّ من المحال (عبد الله دومة/ فرانس برس)
+ الخط -

 

كلّما حلّ عيد، يحاول الليبيون تجاوز الهموم الناجمة عمّا خلّفته سنوات الأزمة الطويلة، فآثارها ما زالت تتوالى على الرغم من توقّف الأعمال الحربية والتعافي الأمني النسبي الذي تشهده البلاد. لكنّ بهجتهم تأتي في الغالب منغّصة، إذ تترافق الأعياد مع غلاء الأسعار. وهذه هي حال عيد الفطر الذي حلّ أخيراً وسط غلاء فاحش، في حين أنّ رواتب أهل ليبيا ومداخيلهم ثابتة عند مستويات متدنية، الأمر الذي جعل كثيرين عاجزين عن توفير لوازم فرحة العيد خصوصاً لأطفالهم.

ومنذ أكثر من عشرة أعوام، يواجه الليبيون مضاعفات الانفلات الأمني والحروب، كنزوح آلاف العائلات من بيوتها هرباً إلى أماكن أكثر أماناً في حين دُمرّ عدد كبير من تلك البيوت. وإلى جانب عمليات التهجير، تُضاف تداعيات أخرى من قبيل الأزمة الاقتصادية التي تُسجّل عادة في معظم حالات الحروب حول العالم.

وفي الأيام الأخيرة من شهر رمضان المنصرم، ازدحمت الشوارع بالمتسوقين الذين راحوا يتنقّلون بين المحال التجارية لشراء مستلزمات العيد من ملابس وأحذية وحلويات، غير أنّ كثيرين اكتفوا بمشاهدة السلع المعروضة إذ لم يتمكّنوا من شراء ما يحتاجونه نتيجة الغلاء، أو عمدوا إلى شراء بالقليل.

بسمة عريبي من بين هؤلاء الذي اضطروا إلى حصر مشترياتهم، وتقول لـ"العربي الجديد": "اكتفيت بشراء ملابس العيد لطفلَي فقط حتى يشعرا بفرحة العيد، ولم أبتع أيّ شيء لي ولزوجي. فالأسعار جنونية ولا يتوفّر لدينا المال لذلك في الوضع العادي، فما بالك ونحن ما زلنا نعاني تبعات نقص السيولة وتأخّر صرف الرواتب". وتشير عريبي إلى أنّ "غلاء الأسعار تسبّب في استنزاف راتب الأسرة الشهري، بالتالي لم يتبقّ منه ما يكفي لمصاريف أخرى".

من جهته، يعيل مكرم مع والدته إخوته الأربعة الصغار بعد وفاة الوالد، وقد وجد في "الأسواق الشعبية متنفساً". يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "كثيرين ممّن هم في مثل حالتنا المادية يجدون في تلك الأسواق ملجأ لهم، على الرغم من أنّ الجميع يعلم بأنّ المتوفّر فيها قد يكون مستعملاً وتمّ تنظيفه وعرضه للبيع على أنّه جديد. لكنّه لا حلول أخرى أمامنا بسبب الغلاء الفاحش".

ويُعَدّ سوقا الرشيد وبو سليم وسط العاصمة طرابلس من أشهر الأسواق الشعبية، وهناك تُرصف طاولات يعرض عليها الباعة بضاعتهم التي يقبل عليها عدد كبير من الليبيين لإنجاز عملية تبضّعهم. ويلفت مكرم إلى أنّ "أسعار الملابس والأحذية في هذه الأسواق الشعبية تساوي نصف الأسعار في المحال التجارية عادة".

الصورة
سوق شعبي في طرابلس في ليبيا (محمود تركية/ فرانس برس)
الأسواق الشعبية تحوّلت وسط الغلاء إلى مقصد الليبيين الأوّل قبيل عيد الفطر (محمود تركية/ فرانس برس)

وعن ارتفاع الأسعار، يقول محمود السايح وهو صاحب محل ملابس في شارع الجرابة بطرابلس، إنّه "يعود إلى هبوط قيمة الدينار الليبي في مقابل العملات الأجنبية". ويشرح لـ"العربي الجديد": "نستورد بضائعنا بالعملات الصعبة، وإذا ما احتسبنا تكاليف الشحن ورسوم الجمارك فمن الطبيعي أن تصل الزيادة على الأسعار إلى 100 في المائة". ويشدّد السايح على أنّ "ارتفاع الأسعار لا يؤثّر على المواطن فقط بل على تجارتنا كذلك. فثمّة تراجع في القوة الشرائية على الرغم من الازدحام الشديد في شارع الجرابة" حيث عشرات المحال التجارية الخاصة بالملابس.

يضيف السايح أنّ "المواطن الليبي كان في السابق يُقبل على شراء الملابس التقليدية للعيد، لكنّ أسعارها باتت خيالية بالتالي لم تعد في متناول يد معظمهم، فهي ارتفعت خمسة أضعاف، ولباس الكاط مثالاً". لكنّ عريبي تتّهم التجار بأنّهم "جشعون ويستغلون أزمة عدم استقرار اقتصاد البلاد. وما يشجّعهم على ذك هو غياب المحاسبة والقانون".

قضايا وناس
التحديثات الحية

وفي مؤشّر يدل بشكل واضح على أنّ الإقبال على الشراء من المحال التجارية تراجع قبل العيد، بدا شارعا الجرابة وبن عاشور حيث محال الملابس وشارع الاتحاد المخصّص للأحذية أقلّ ازدحاماً من السنوات الماضية عندما كانت فرق شرطة المرور تقفلها أمام السيارات حاصرة المرور فيها فقط بالمارة بسبب الازدحام الشديد. في المقابل، عمدت الشرطة إلى إجرائها المروري هذا العام في مواقع تحتضن الأسواق الشعبية، لا سيّما أحياء الرشيد وغوط الشعال وبو سليم.

في سياق متصل، لا يكتمل عيد الفطر من دون شراء الحلويات التي تمثّل مظهراً من مظاهر الاحتفال به. وتخبر عريبي هنا أنّها عمدت مع جارات لها إلى صنع أنواع من الحلويات الخاصة بالعيد منزلياً، موضحة "وقد اكتفينا ببعض الأنواع ذات المكونات البسيطة غير باهظة الثمن". وتؤكد أنّه لا بدّ من "تقديم الحلويات للضيوف المهنّئين بالعيد، لكنّ الأسعار في المحال لم تعد في متناولنا".

المساهمون