نجحت حركة طالبان، خلال الشهرين الأخيرين، في السيطرة على 180 من أصل 388 مديرية في أفغانستان، وزعمت بالتالي، من خلال تصريحات أدلى بها قادتها، أنّ نفوذها يمتد على نسبة 85 في المائة من أراضي البلاد، ونسبة 90 في المائة من المناطق المحاذية للحدود والمعابر المشتركة مع دول الجوار. وردّت الحكومة برفض هذه المزاعم التي وصفتها بأنّها "مجرد أكاذيب لا صدقية لها ولا تُبنى على أسس واقعية". لكن، من الواضح أنّ "طالبان" وسّعت رقعة نفوذها، وما زالت تحقق مكاسب على الأرض.
ووسط المزاعم المتناقضة، تعيش المرأة الأفغانية في قلق دائم من زوال المكاسب الكبيرة التي غنمتها خلال العقدين الماضيين في مجالات عدة، إذ إنّ مواصلة "طالبان" تقدمها سيُفضي إلى انتزاعها مقاليد الحكم، وذهاب ما حققته المرأة خلال هذين العقدين أدراج الرياح، باعتبار أنّ الحركة ستغيّر سياساتها بالتأكيد تجاهها، وتعود بها إلى قيود الأحكام المشددة والحرمان من الحقوق.
واللافت أنّ "طالبان" أكدت مرات، على لسان مسؤوليها، أن أنظمتها خضعت لتبديلات، وستمنح المرأة كلّ حقوقها الواردة في الشريعة الإسلامية. لكنّ طبيعة البلاد والأعراف المتجذرة فيها وأفكار الحركة ومعتقداتها تجعل تمتّع المرأة الأفغانية بالحرية ذاتها التي تملكها اليوم أمراً مستبعداً إذا استولت "طالبان" على الحكم، علماً أنّه ليس خافياً أنّ النساء يشتكين أيضاً من بعض أساليب تعامل الحكومات الأفغانية المتعاقبة والمجتمع الدولي معهن.
إذا أخذنا مثلاً قضية العنف الأسري ضد المرأة، والتي تعتبر ظاهرة متفشية في أفغانستان، وقارنّا ممارساتها بين المناطق الخاضعة لنفوذ الحكومة الأفغانية وتلك التي تسيطر "طالبان" عليها، سنلاحظ فارقاً كبيراً، فالمناطق الخاضعة لوصاية الحكومة تشهد تطبيق القوانين الخاصة بالنساء، وتمنحهن فرص رفع صوتهن في شأن حالات العنف ومظاهر الظلم. أما في مناطق "طالبان" فلا تملك المرأة أيّ حق للتعبير عن آرائها ورفع قضاياها أمام المحاكم، رغم أنّ بعض المراقبين يعتبرون أنّ محاكم الحركة أكثر نزاهة في إصدار القرارات الخاصة بها، لكنّ الأعراف السائدة وتدني مستوى تعليم المرأة لا يمنحانها أيّ فرصة لرفع صوتها، أو حتى للخروج من منزلها وقصد المحاكم من أجل تسجيل دعوى ضد العنف الأسري الذي تتعرض له.
عنف أقل
في مؤتمر صحافي عقدته، الأسبوع الماضي، في مدينة جلال أباد، قالت رئيسة إدارة شؤون النساء في إقليم ننغرهار، فتانه عزيز، إنّ "حوادث العنف الأسري قلّت إلى حدّ كبير في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، والتي يمكن أن تلجأ المرأة فيها إلى القضاء والمحاكم من أجل رفع صوتها ضد الممارسات التي تتعرض لها، وذلك بخلاف المناطق التي تسيطر عليها طالبان، وتلك التي في الريف التي تتجذر فيها أعراف لا تمنح المرأة اهتماماً كبيراً". وأضافت: "سجلت إدارة شؤون النساء في ننغرهار هذا العام 27 قضية لأنواع مختلفة من ممارسات العنف الأسري، في حين علمت الإدارة بـ172 قضية العام الماضي، ما يؤكد لجوء المرأة الأفغانية إلى القضاء والمحاكم من أجل رفع صوتها حيال الظلم الذي يمارس ضدها".
وتتحدث عزيز عن سوء أحوال النساء في الأرياف، ومحاولة الحكومة تنفيذ برامج تهدف إلى تحسين حالتهن، وعملها لوضع خطة شاملة ومنسقة من أجل بث الوعي وتعزيزه لدى المرأة الريفية، كي تستطيع الدفاع عن حقوقها "لكنّ الوضع الأمني الهشّ يمنع ذلك". وتوضح أنّ أبرز مظاهر العنف الأسري "تتمثل في الضرب والاعتداءات الجنسية وتزويج القاصرات وغيرها. وتختلف هذه الممارسات بين منطقة وأخرى، لكنّها تتواجد في أنحاء أفغانستان".
رجال الدين وزعماء القبائل
تكشف عزيز أنّ إدارة شؤون المرأة في ننغرهار بدأت بالتنسيق مع إدارة الشؤون الدينية، من أجل وضع برامج لحماية المرأة من العنف الأسري، معتبرة أنّ "دور رجال الدين أساسي في هذا الأمر، استناداً إلى مكانتهم لدى القبائل التي تسمح لهم بلعب دور كبير في تغيير الوضع الحالي للنساء".
لكنّ رجل الدين أحمد فهيم، يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "المشكلة الأساس تتمثل في أنّ أشخاصاً كُثراً في المجتمع الأفغاني يخشون رفع الصوت للمطالبة بحقوق النساء، خصوصاً أنّ الغرب يؤيد القضية، في حين لم تظهر الحكومات الأفغانية المتعاقبة على مرّ التاريخ أيّ اهتمام بدور رجال الدين عموماً، والذي تحصره في نطاق عملهم بالمساجد. لذا من الصعب جداً في ظلّ الوضع السائد أن يلعب علماء الدين دورهم في تغيير مفاهيم المجتمع".
وفيما يعتبر دور زعماء القبائل ذا أهمية كبيرة في أفغانستان أيضاً، خصوصاً أنّ حرمان المرأة الأفغانية من حقوقها يرتبط بأعراف وتقاليد متجذرة، يقول الزعيم القبلي في شرق البلاد، سعد الله خان، لـ "العربي الجديد": "الزعامة القبلية قد تلعب دوراً بارزاً في أيّ قضية ذات صلة بالشعب الأفغاني، شريطة أن تقبل هي نفسها بحتمية التغيير وضرورته في تحسين الأوضاع، وأن ترفع مستواها التعليمي والثقافي، فالزعامة القبلية في أفغانستان تحتاج نفسها إلى تغيير، ما يعني أنّ الرهان عليها حالياً لإحداث تغيير في حال النساء لا جدوى منه، خصوصاً أنّ البلاد غارقة في أزمة أمنية معقدة جداً".