في ظل الضائقة الاقتصادية التي يعيشها أكثر من أربعة ملايين سوري في شمال غرب البلاد، بات العمل التطوعي في منظمات المجتمع المدني فرصة لكثيرين، فهؤلاء يأملون بالحصول على وظيفة فيها لاحقاً.
مضت نحو ستة أشهر على تطوع محمد ق. (27 عاماً)، المقيم في مدينة إدلب (شمال سورية)، والذي لم يلتحق بالجامعة بعد تخرجه من الثانوية العامة، في إحدى منظمات العمل الإنساني المحلية. يعمل محمد ضمن فريق على دراسة الاحتياجات وتوزيع سلال إغاثية. يقول لـ"العربي الجديد": "في المنطقة فرص العمل قليلة جداً، إن لم تكن معدومة، والأجور متدنية، كما أن البقاء في المنزل يتسبّب بضغط نفسي كبير قد يدفع الشخص إلى الاكتئاب. لذلك، اعتدت المشاركة خلال السنوات الماضية في مبادرات مدنية وإنسانية عدة، لمساعدة العائلات النازحة من خلال تجهيز أماكن إقامة لهم وتوزيع سلال إغاثية، إضافة إلى تعليم الأطفال النازحين. بالنسبة إلي، كان من المهم أن أشعر بأنني أقوم بعمل مفيد". يضيف: "على الرغم من فقدان الأمل بالحصول على وظيفة، تقدمت قبل أشهر بطلب للتطوع في إحدى المنظمات، وحالفني الحظ و قُبلت، وقد شاركت خلال هذه الأشهر بدورات عدة، واكتسبت خبرة مقبولة في عمل المنظمات. وآمل أن توسع المنظمة فريق العمل لأحصل على عقد تطوعي وبدل تطوع وهو بمثابة راتب".
ويلفت إلى أن حلم غالبية الشباب هو إيجاد فرصة عمل ضمن إحدى منظمات المجتمع المدني في المنطقة، إذ إن الرواتب في المنظمات تحدّد غالباً بالدولار أو الليرة التركية، وتعدّ مقبولة بالمقارنة مع الرواتب في قطاعات العمل الأخرى كالزراعة مثلاً. ويوضح أنّه بقدر ما لديه رغبة في مساعدة المجتمع، يحتاج إلى دخل يؤمن له احتياجاته الأساسية، ويسمح له بمساعدة عائلته.
أما زياد الحمصي (34 عاماً)، وهو مدرّس يقيم في ريف إدلب ويحمل شهادة جامعية، فيقول إنّ منظمات العمل المدني تعدّ من القطاعات المهمة في الشمال السوري. ويقول لـ"العربي الجديد"، إن غالبية القطاعات مدعومة من منظمات غير حكومية، إلا أن تراجع الدعم منذ ثلاث سنوات جعل العمل في تلك القطاعات والمنظمات المحلية غير مستقر. يضيف: "لولا الدروس الخصوصية وبعض المبادرات المحلية لدعم المدرسين في البلدة، لما استطعت إكمال العام الدراسي".
ويوضح الحمصي: "عندما نتحدث عن العمل التطوعي المجاني، يجب أن يكون لدى الشخص عمل آخر يعيش منه. لكن في الواقع، أصبح بدل التطوع الذي يصرف لتغطية المواصلات والاتصالات وتأمين الطعام بمثابة دخل أساسي لدى شريحة واسعة من العاملين في تلك المنظمات".
من جهته، يقول أحد منسقي المنظمات في شمال سورية، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد": "العمل التطوعي بالتأكيد فرصة جيدة جداً لاكتساب الخبرات وتعزيز العلاقات. وبالتالي، يزيد من احتمال الحصول على عمل". ويشير إلى أن هذا القطاع يجذب المتطوعين بدرجة كبيرة، عازياً السبب إلى كونه يعتمد على المبادرات غالباً، "في حين يعاني سوق العمل في مناطق الشمال الغربي من قلة فرص العمل، وارتفاع نسبة البطالة بشكل كبير، الأمر الذي يجعل عدداً كبيراً من الشباب يتقدمون بطلبات للتطوع في منظمات. وفي حال إعلان أي منظمة عن فرصة عمل، تجد عدد المتقدمين بالمئات".
والتطوع لا يعني دائماً أن يعمل الشخص من دون أجر، بحسب منسقة مشروع الحماية في منظمة "مساحة سلام" ميسون بيطار. تقول لـ"العربي الجديد": "التطوع مرتبط غالباً بأجر. والمنظمات، بحسب سياساتها، تعتمد هذا التوصيف للإشارة إلى العاملين ضمن برامجها". تضيف: "المنظمات تمنح المتطوعين فترة تدريبية وبالتالي تخلق فرصاً أمام الأشخاص الذين لا يملكون خبرات بأعمال المنظمات ليكونوا لاحقاً من كوادر المنظمة".
إلى ذلك، يوضح المدير التنفيذي لمنظمة "بنفسج" هشام ديراني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "أسباب التطوع في الشمال السوري عديدة، إلا أن مفهوم التطوع قديم في المجتمع. وفي الوقت الحالي، يتفاوت إقبال الناس على العمل التطوعي بحسب أوضاعهم. بطبيعة الحال، يرغب البعض في التطوع بهدف تقديم المساعدة للمجتمع في ظل المعاناة المشتركة، وعادة ما يتطوع هؤلاء في مجالات الإسعاف والإنقاذ والطوارئ. كما يمكن إضافة قلة فرص العمل وعدم وجود نظام تعليمي مستقر، ما يجعل أوقات الفراغ لدى الشباب كثيرة، فيتجه البعض إلى العمل التطوعي لملء هذا الوقت واكتساب الخبرات".
ويلفت إلى أنه "بالنسبة للبعض، أصبح التطوع مدخلاً للحصول على عمل، خصوصاً في حال عدم امتلاك شهادة أو خبرة تؤهل للحصول على وظيفة". يضيف أن العمل التطوعي يمنح المتطوعين الخبرة أو فرصة عمل في المنظمة ذاتها أو أي منظمة أخرى في حال الإعلان عن أي شغور، وهو ما زاد من عدد الراغبين بالتطوع في منظمات العمل المدني".