العقوبات الغربية تزيد إقبال الروس على تعلم اللغات الشرقية

13 نوفمبر 2022
تحتضن المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو كلية الاستشراق (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد عامين على تعلم اللغة العربية بكلية الاستشراق في المدرسة العليا للاقتصاد بموسكو، لا يندم الطالب الروسي يغور لابينتسيف على خياره، لا سيما بعد فرض عقوبات غير مسبوقة على بلاده على خلفية الحرب في أوكرانيا، متطلعاً لأن يعمل صحافياً متخصصاً في شؤون الشرق الأوسط عقب تخرجه.
يقول لابينتسيف لـ"العربي الجديد": "اختيار لغة شرقية كان قراراً صائباً حتى قبل العقوبات الغربية، لكن بعد العقوبات زادت أهميتها، إذ أصبحت تفتح آفاقاً أوسع مقارنة مع اللغات الغربية باستثناء الإنكليزية"، لافتاً إلى أن روسيا تتعاون مع بلدان الشرقين الأوسط والأقصى بنشاط، ومن المتوقع زيادة الطلب على المتخصصين في اللغات الشرقية.
وحول تطلعاته المهنية بعد التخرج، يضيف: "أتطلع للعمل في مجال الإعلام، كونه يتناسب مع اهتماماتي الشخصية. منذ الطفولة يراودني حلم أن أعمل مراسلاً حربياً، وسأسعى لتحقيق ذلك بالعمل مراسلاً متجولاً أو مقيماً في إحدى بلدان الشرق الأوسط عقب التخرج".
دفعت الأزمة الراهنة بين روسيا والغرب مئات من طلاب الجامعات إلى اختيار لغة شرقية بدلاً من اللغات الغربية، وتؤكد مشرفة برنامج "الاستشراق" بالمدرسة العليا للاقتصاد، أوليانا ستريجاك، لـ"العربي الجديد": "رصدنا في السنة الحالية تزايد اهتمام الطلاب بدراسة الشرق كتخصص أساسي، وقد استقبلنا أكثر من 200 طالب، رغم أن الرقم المستهدف كان 57 دارساً على نفقة الدولة، و80 بنظام التعاقد".

تتنافس اللغة العربية مع التركية والصينية واليابانية على استقطاب طلاب الجامعات الروسية

وتلفت ستريجاك إلى أن استطلاع آراء الطلاب أظهر أن 80 في المائة ممن قرروا دراسة اللغة التركية، و74 في المائة ممن يدرسون الصينية، أرجعوا خيارهم إلى الوضع الجيوسياسي الراهن، شأنهم في ذلك شأن 50 في المائة ممن يدرسون اللغة العربية، و42 في المائة ممن اختاروا اللغة الكورية، بينما لا يبالي دارسو اللغة اليابانية بالعامل الجيوسياسي كثيراً".
وتضيف: "اهتمام الطلاب باليابان لم يتراجع رغم انضمام طوكيو إلى العقوبات الغربية، واستقطبنا العدد المعتاد من دارسي اللغة اليابانية الذين ذكروا من بين دوافعهم اهتمامهم بالتقاليد وجمال اللغة، وتقارب القيم مع الروس، وهي دوافع دارسي اللغة الكورية نفسها، رغم أن 25 في المائة منهم عزوا خيارهم إلى الآفاق الواعدة التي تفتحها".

يرى طالب الماجستير بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أرتيوم ساينكو، أنه لا ينبغي إغفال تعلم اللغات الأوروبية، بسبب الأزمة الجيوسياسية الراهنة، متوقعاً أن تعيد موسكو والاتحاد الأوروبي تأسيس علاقات بناءة بعد تجاوز الأزمة الحالية.
يقول ساينكو الذي اختار التخصص في اللغة العربية ودراسات الشرق الأوسط، لـ"العربي الجديد": "في ظروف العقوبات الغربية، وإقصاء الدبلوماسيين الروس من الولايات المتحدة وأوروبا، يميل العديد من الملتحقين بالجامعات إلى اختيار اللغات الشرقية. من وجهة نظري، مثل هذا القرار قد يكون صائباً على المدى القصير، لأن أوروبا تظل أقرب جيراننا، وسنضطر لإقامة علاقات معها مجدداً".
ويحذر من حدوث نقص في المتخصصين في اللغات الغربية، في حال الإقبال المفرط على اللغات الشرقية، مستشهداً بمقولة المؤرخ الروسي البارز، فاسيلي كليوتشيفسكي، إن "روسيا تاريخياً ليست آسيا بالطبع، ولكنها جغرافياً ليست أوروبا بامتياز. ربطتها الثقافة بأوروبا، ولكن الطبيعة فرضت عليها خصائص وتأثيرات تجذبها إلى آسيا دوماً".

طلاب وشباب
التحديثات الحية

وحول تطلّعاته المهنية، يضيف: "بعد التخرج في معهد العلاقات الدولية، أعتزم أن أعمل دبلوماسياً، وآمل أن تسنح لي فرصة العمل في الشرق الأوسط، نظراً لاختصاصي المهني في الثقافة واللغة العربية والعمليات الاقتصادية والسياسية في بلدان الشرق الأوسط".
وتُعرَف روسيا تاريخياً بمدرسة استشراق عريقة تمتدّ جذورها إلى الحقبة القيصرية، وقد تطوّرت خلال تمدّد الاتحاد السوفييتي في بلدان الشرق الأوسط وآسيا. وحالياً، ثمّة أقسام للغات العربية والصينية وغيرهما من اللغات الشرقية في عدد من الجامعات الروسية الرائدة، بما فيها معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ومعهد بلدان آسيا وأفريقيا التابع لجامعة موسكو، والمدرسة العليا للاقتصاد، والجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب، وغيرها من معاهد وجامعات المدن الروسية الكبرى.

المساهمون