يعاني سكان عدد من المحافظات العراقية، من بينها محافظة الأنبار، غربي العراق، كارثة بيئية تهدد حياتهم بسبب الجفاف الذي تشهده والانخفاض الحاد في منسوب مياه نهر الفرات الذي يغذي مناطق المحافظة وبحيراتها الطبيعية. وعلى الرغم من أن الأنبار تعد من أكبر المحافظات العراقية من حيث المساحة، وتعتمد نسبة كبيرة من سكانها على الزراعة، إلا أن انحسار المياه المغذية للنهر من الجانب التركي مروراً بالأراضي السورية وتغير المناخ جعلا السكان يواجهون مصيراً صعباً.
وخلال الأشهر الأخيرة، شهدت محافظة الأنبار أزمة حادة تتمثّل بصعوبة الحصول على مياه الشرب والسقي، بسبب الانخفاض الكبير في منسوب نهر الفرات، وانحسار المياه الآسنة في نقطة عميقة وسط النهر يصعب وصول مضخات مشاريع المياه إليها، ما دفع عدداً من المواطنين إلى إطلاق نداءات استغاثة بهدف توفير المياه. ويقول المواطن سعد إبراهيم إن شح المياه تسبب بالعطش الشديد لأبناء الأنبار. وعلى الرغم من وجود نهر الفرات ووقوع منازلهم على مقربة من البحيرات، إلا أنهم يشترون المياه من صهاريج المياه المنقولة لتأمين حاجتهم اليومية. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن إجراءات الحكومة المحلية ضعيفة ولا ترقى إلى حجم المعاناة في حفر وشق مجاري المياه داخل النهر، بهدف إيصالها إلى أقرب نقطة يتم من خلالها سحب المياه عن طريق المضخات ومشاريع تغذية المياه. ويحمّل الحكومة العراقية مسؤولية جفاف نهر الفرات وعدم تفاوضها الجاد مع الجانبين التركي والسوري لغرض تأمين المياه بما يساهم في إنقاذ المواطنين من العطش والجفاف.
من جهته، يقول المزارع حميد عيفان إن الزراعة في محافظة الأنبار تواجه تحديات كبيرة، وتشهد تراجعاً حاداً في مستويات الإنتاج بسبب الجفاف وعدم توفر المياه، وقد جفت مناطق بالكامل ولم تعد فيها حياة. يضيف أن زراعة الخضار شبه متوقفة علماً أن المحافظة كانت خلال سنوات سابقة رائدة في إنتاج هذه المحاصيل، وأثرت مستويات الجفاف وقلة المياه على هذه المنتجات. ويبين أن المناطق الزراعية لم تتعرض إلى هذا المستوى من الجفاف والتصحر على مدى سبعين عاماً، داعياً الحكومتين المحلية والمركزية للإسراع في حل مشكلة المياه لإنقاذ السكان من العطش والجفاف.
ويبين المتخصص في المياه والزراعة عادل المختار أن الوضع في محافظة الأنبار خطير للغاية. ومع حلول فصل الصيف الحار والجاف في البلاد، يشهد الوضع المائي انخفاضاً هو الأسوأ منذ عقود، وقد لا يكفي مخزون المياه حتى نهاية العام. يضيف خلال حديثه لـ "العربي الجديد" أن أزمة الجفاف الحالية في محافظة الأنبار سوف تمتد إلى المناطق التي يمر فيها نهر الفرات في وسط وجنوب العراق، مضيفاً أن مياه الفرات حالياً لا تصل إلى شط العرب ولا تلتقي في القرنة، ما يشكل كارثة حقيقية بالنسبة للسكان والزراعة.
ويوضح أن أزمة الجفاف ستكون قاسية جداً وتدفع أكثر من 7 ملايين شخص إلى النزوح. وتعد هذه الأزمة الأسوأ التي يشهدها العراق خلال العصر الحديث، على الرغم من محاولة وزارة الموارد المائية دفع المياه من نهر دجلة إلى الفرات، إلا أن الأمر خرج عن السيطرة وستكون له تبعات اقتصادية خطيرة. ويشير المختار إلى أن أسباب هذا الجفاف تتعلق بضعف الإيرادات المائية من تركيا عبر سورية، والتي لا تتجاوز 150 مترا مكعبا في الثانية، وهذه الكمية غير كافية لأن النهر بحاجة إلى ما يقارب 500 متر مكعب في الثانية لتحقيق التوازن المائي.
وأدى الجفاف وانخفاض منسوب نهر الفرات إلى جفاف بحيرة الحبانية. ويقول مدير الموارد المائية في محافظة الأنبار جمال عودة سمير، إن بحيرة الحبانية خرجت عن الخدمة بسبب انخفاض منسوب المياه، وتعمل وزارته على إيصال وتأمين مياه الشرب للسكان في مختلف المناطق. يضيف في حديثه لـ "العربي الجديد" أن سبب انخفاض منسوب نهر الفرات يرتبط بعوامل عدة منها قلة الأمطار في حوض الفرات، وعدم التزام دول الجوار (تركيا وسورية) بالحصص المائية المقررة.
ويشير إلى أن هذا الانخفاض تسبب أيضاً بتقليل الإنتاج الزراعي صيفاً. ففي وقت أمنت الخطة الزراعية سقي 2.5 مليون دونم زراعي، بات عليها سقي 6.5 ملايين دونم إضافي في المحافظة، ما تسبب بحالة من الإرباك في تجهيز الحصص المائية. ويوضح أن وزارته أصدرت توجيهاتها بضرورة تأمين الحصص المائية لمحطات ضخ مياه الشرب وإعطائها الأولية بعد الانخفاض الحاد في منسوب مياه نهر الفرات.