شرعت وزارة التخطيط العراقية بتنفيذ المسح التجريبي الاجتماعي للأسر العراقية بهدف تحديد نسب الفقر في البلاد، وقد شمل المسح بداية ستّ محافظات تمهيداً لشموله عموم محافظات العراق بعد شهرَين، بحسب ما أفادت به الوزارة وسط توقّعات بتسجيل نسب صادمة.
وكانت الحكومة العراقية قد توقعت في وقت سابق من هذا العام، ارتفاع نسبة الفقر إلى 25 في المائة في البلاد، ووعدت باتّخاذ إجراءات للمعالجة، إلا أنّها لم تبدأ بأيّ من تلك الإجراءات على الرغم من الوفرة المالية نتيجة ارتفاع أسعار النفط وتحقيق البلاد واردات مالية قياسية وصلت إلى نحو 12 مليار دولار أميركي شهرياً.
وفي بيان صادر ليل أمس الإثنين، قال رئيس الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، ضياء عواد كاظم إنّ "أعمال المسح التجريبي الاجتماعي للأسرة في العراق بدأت فعلياً في ستّ محافظات، وهي بغداد الأنبار ونينوى والمثنى والبصرة وإربيل"، مضيفاً أنّ "هذا المسح يُعَدّ من المسوح المهمة وأنّ العمل جار على توفير جميع احتياجاته لتنفيذه".
وأوضح كاظم أنّ "هذه التجربة جاءت للوقوف على المشكلات والتحديات التي ربّما سيواجهها المسح في أثناء تنفيذه عند انطلاقه فعلياً في شهر يوليو/ تموز المقبل"، مشيراً إلى أنّ "التجربة تشمل زيارات للأسر وطرح الأسئلة المتعلقة باستمارات المسح، فضلاً عن جمع البيانات والمؤشرات الخاصة به".
وقد نقل بيان الوزارة نفسه عن المدير العام للدائرة الفنية في الجهاز المركزي للإحصاء، قصي عبد الفتاح رؤوف، قوله: "باشرنا بالتجربة النهائية التي تسبق عملية المسح للأسرة في العراق، والذي جرى تنفيذه في مدينة الصدر شرقي بغداد"، لافتاً إلى أنّ "هذه التجربة تُمكّننا من معرفة نقاط القوة والضعف لتنفيذ المسح".
وشرح رؤوف أنّ "هذا المسح سيستمر لمدّة 14 شهراً، ونتمكّن من خلاله من احتساب خط الفقر للعائلة والوقوف على بؤر الفقر في العراق"، موضحاً أنّ "المسح الفعلي سيشمل جميع محافظات العراق بما فيها محافظات إقليم كردستان". وأشار رؤوف إلى أنّ "المسح سيوفّر مؤشرات اقتصادية واجتماعية للعائلة في الأقضية والنواحي في المحافظات، فضلاً عن مؤشرات الدخل والإنفاق والعمالة، لاحتساب مؤشرات الفقر متعدّد الأبعاد، للوقوف على فجوات الخدمات الأساسية في المحافظات".
في سياق متصل، يقول الاستشاري بشؤون الإحصاء في وزارة التخطيط العراقية، محمد عبد السلام، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المسح سيشمل جوانب عدّة، من بينها نوع غذاء الأسرة وقدرتها على شراء أصناف معيّنة من الأطعمة والملابس، بالإضافة إلى جوانب أخرى تُعَدّ أسياسية في حياة الأسرة". يضيف عبد السلام أنّ "الهدف هو وضع تصوّر عام عن احتياجات الأسر الفقيرة في البلاد"، متوقعاً أن تأتي "نسب المسح المستخلصة عالية".
ويقلّل ناشطون في مجال حقوق الإنسان أهمية المسح، لافتين إلى أنّ الأسرة العراقية لا تنتظر نتائج مسح يستمر لأشهر عدّة، في حين أنّها في أمسّ الحاجة إلى الدعم وتوفير العيش الكريم لأفرادها.
ويوضح الناشط العراقي فاروق السلامي لـ"العربي الجديد" أنّ "نسب الفقر في العراق في حالة تزايد، وهذا شيء معلوم وأكّدته تصريحات المسؤولين في وزارة التخطيط، الأمر الذي يتطلب من الحكومة معالجات لهذا الملف من خلال توفير دعم الأسر الفقيرة مادياً، وتوفير فرص عمل لتلك المحتاجة، لا سيّما مع موجة الغلاء الفاحش الذي يشهده السوق العراقي".
يضيف السلامي أنّ "لدى الحكومة قاعدة بيانات حول نسب الفقر في البلاد، يمكنها اعتمادها لتوفير الدعم وإنقاذ الأسر العراقية التي تعيش أوضاعاً مأساوية، دون خط الفقر. ومن الممكن أن يكون ذلك بموازاة المسح الذي تخطط لإجرائه والذي سوف يكشف أرقاماً صادمة لنسب الفقر، لا أن تعد بالدعم وفقاً لنتائج المسح فقط". ويؤكد السلامي أنّ "نسب الفقر تصاعدت بشكل كبير أخيراً مع ارتفاع الأسعار، وهو أمر يحتاج إلى معالجات عاجلة"، لافتاً إلى أنّ "نسب الفقر سوف تستمر بالتزايد طالما أنّ الفساد مستشر في البلد، وقد تسبّب في أزمات مالية كبيرة وكذلك في ارتفاع نسب الفقر".
وكان تقرير سابق لوزارة التخطيط العراقية قد أوضح أنّ تداعيات أزمة كورونا الوبائية تسبّبت في إضافة 1.4 مليون عراقي جديد إلى إجمالي عدد الفقراء البالغ 11 مليوناً و400 ألف فرد، بعدما كان يُقدَّر قبل الأزمة بنحو 10 ملايين. أضاف أنّ نسبة الفقر ارتفعت إلى 31.7 في المائة، بعدما كانت 20 في المائة في عام 2018.