تعترف السلطات العراقية بأن هناك تزايداً مستمراً بأعداد المقابر، كما أنها تؤكد وجود عشرات آلاف المفقودين في سنوات ما بعد الاحتلال الأميركي في 2003، وهؤلاء المفقودون يحتاجون إلى "سجل وطني" خاص بهم، ويسهم في المساعدة بالتعرف عليهم من خلال المقابر التي تُكتشف بين فترة وأخرى.
وأوصت دائرة الطب العدلي التابعة لوزارة الصحة، اليوم الأربعاء، بإعداد سجل وطني موحد للمفقودين، فيما كشفت عن خطط لتحديد هوياتهم. ونقلت وكالة الأنباء العراقية، عن مدير عام الدائرة، زيد علي، أنه "تم إدخال جميع المقابر ضمن خطط سنوية للبحث عنها وفتحها"، مبيناً أن "العملية تحتاج إلى وجود سجل وطني موحد للمفقودين، وتكون لدينا عينات دم مرجعية".
وأشار علي إلى أنه "من ضمن الخطط التي وضعتها دائرة الطب العدلي بالتعاون مع مؤسسة الشهداء، استهداف العوائل المقيمة خارج العراق، لغرض أخذ عينات دم وتحديد الهوية"، مؤكدا أن "أعداد المقابر في تزايد مستمر، ولا تزال المعلومات تردنا بشأن ذلك".
وجاءت هذه التوصية بعد يومٍ واحد، من تنظيم السلطات العراقية، مراسم تشييع جثامين 78 من ضحايا تنظيم "داعش" أُعدموا عام 2014، وتم التعرف على هوياتهم بفحص للحمض النووي بعدما عثر عليهم في مقبرة جماعية قرب سجن بادوش شمالي البلاد.
وجرت مراسم تشييع في العاصمة بغداد وأخرى في محافظة النجف، لدفن 78 من ضحايا سجن بادوش. وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فإن "مدة التعرف على الحمض النووي للضحايا استمرت لعامين، وأن ضحايا المقبرة هم أكثر من 600 ضحية".
من جهته، قال علي الربيعي، وهو مسؤول في وزارة الصحة العراقية، إن "الوزارة تجد وجوب إضفاء التحسينات على واقع الطب العدلي ومحاولة تطوير العمل فيه، إضافة إلى تأسيس السجل الوطني للمفقودين، ومن المفترض أن يتضمن أمرين هامين، هما الإحصاء التقريبي لأعداد المفقودين سواءٌ في الحوادث الإرهابية أو بالأحداث الجنائية وفقاً للشهادات والإفادات أمام المحاكم، وتشكيل قاعدة بيانات عن الحمض النووي للمفقودين والقريبين منهم من الدرجة الأولى".
وأضاف الربيعي في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "قاعدة بيانات المفقودين الحالية، تتضارب في تفاصيلها ومعلوماتها وما تحتويه من أرقام، كما أنها ليست واحدة، إذ إن وزارتي الداخلية والصحة تمتلكان نماذج غير متطابقة، ناهيك عن جهات أخرى منها وزارتا الهجرة والدفاع والعمل ومؤسسات أمنية أخرى"، موضحاً أن "التوصية الجديدة التي صدرت عن دائرة الطب العدلي ستتم مناقشتها خلال الفترة المقبلة داخل وزارة الصحة ثم في مجلس الوزراء".
من جهته، بيَّن الناشط الحقوقي، حسين السلامي، أن "العراق متأخر جداً في تقنيات الحمض النووي، كما أنه لا يزال يتعامل مع هذا الملف المهم بطرق قديمة، رغم أن المتخصصين في هذا المجال كثر، وتواصل الجامعات العراقية تخريج آلاف المتخصصين، وهناك حاجة حقيقة لتطوير هذا القطاع".
لكنه انتقد في حديثه مع "العربي الجديد"، الحكومات العراقية بعد الاحتلال الأميركي، قائلا إنها "لم تتمكن من تثبيت الأمن والاستقرار وتقوية القانون، بل إنها ساهمت في كوارث أمنية وشحن طائفي أدت في النهاية إلى مقتل العراقيين وفقدان عشرات الآلاف منهم"، معتبراً أن "تشكيل أو تأسيس السجل الوطني للمفقودين يمثل عارا على هذا النظام الذي فشل في كل شيء".
وخلفت حقبة تنظيم "داعش" في العراق جملة من الملفات الشائكة، وأكثرها تعقيداً هو ملف المغيبين العراقيين، وهم بالآلاف، وتفيد تصريحات سياسية بأنهم عشرات الآلاف، غالبيتهم من المدنيين، الذين انقطعت أخبارهم وأصبحوا في عداد المفقودين منذ سنوات عدة. ولا يُتهم تنظيم "داعش" وحده في ارتكاب هذه الجرائم، بل تتورط فيها جهات عدة من بينها فصائل مسلحة موالية لإيران، يسميها العراقيون "الولائية".