العراق: ضحايا العنف إلى زيادة وقانون "حماية الأسرة" معلّق

25 اغسطس 2023
رفض للعنف الأسري في العراق (أحمد الربيعي/ فرانس برس)
+ الخط -

كُشِف عن تفاصيل موت الطفل العراقي موسى ولاء الذي راح ضحية العنف الأسري، إلا أن عشرات الأطفال الذين يواجهون حوادث العنف يومياً يبقون مجهولين، ولا يحاسب المعنّفون. ما حصل مع موسى أثار غضب الشارع العراقي، وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً صادمة تظهر آثار تعذيب غطت جسده بالكامل، وأعادت طرح تساؤلات عن أسباب عدم تشريع قانون العنف الأسري.

وفي 20 يوليو/ تموز الماضي، عثر على الطفل ملقى على الأرض في المنزل وقد فارق الحياة بعد تعذيبه على يد زوجة والده الذي يعمل منتسباً في أحد الأجهزة الأمنية، فيما أفادت وسائل إعلام عراقية بأنّ الضحية تعرض للتعذيب العنيف والصعق بالكهرباء والسكاكين والملح على يد زوجة والده، حتى فارق الحياة في منطقة الخطيب المحاذية لمدينة الشعلة في بغداد.

وبعد إلقاء القبض عليها، روت زوجة الأب في فيديو نشرته المديرية الأمنية وقائع صادمة عن تعذيبها الطفل، ووخزه بالسكين في عدة مناطق مختلفة من جسده، بما فيها الرأس.

وتتّهم رئيسة منظمة "آيسن" لحقوق الإنسان والتنمية المستدامة، أنسام سلمان، الأحزاب الدينية وتحديداً حزب الفضيلة، بالوقوف وراء عدم تشريع القانون حتى الآن، كون هذه الأحزاب لا تريد خروج المجتمع من السطوة الدينية أو الذكورية، على الرغم من أن القانون يحمي الجميع ويحفظ حقوقهم بشكل كامل.

وتؤكد سلمان، لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أن "المنظمات والأحزاب المدنية قدمت صيغتين من قانون العنف الأسري، إلا أنّ البرلمان رفضهما بشكل نهائي"، لافتة إلى أنّ "صيغة القانون لا تخالف السياق الاجتماعي بل العكس. ويطرح القانون حلولاً كبيرة للكثير من مشكلات التعنيف". 

وتشير إلى أن "أبرز إيجابيات القانون هي توفير دور إيواء للضحايا المعنفين، وتحويل حقهم الشخصي إلى حق عام يحاسب عليه القانون"، مبيّنة أن "الضحايا لا يحصلون على حقوقهم في ظل القانون الحالي، إلا إذا تقدموا بشكوى ضد الجناة".

وتكشفت سلمان عن عزم "المنظمات والأحزاب المدنية الضغط على البرلمان لتسريع القانون عبر اللقاء برئيس الوزراء ورئيس مجلس القضاء الأعلى من أجل ممارسة دورهم القانوني والتوصل إلى صيغة قانون مرضية للجميع".

من جهته، يعترض أستاذ القانون الدستوري في جامعة بغداد، مصدق عادل، على دعوات تشريع قانون يحمي الطفل وكل فرد بالأسرة، أسوة ببقية الأنظمة في العالم، عازياً السبب إلى وجود مواد قانونية تحفظ للطفل تربيته وتنشئته. ويرى أنّ "القوانين الحالية تتوفر فيها فقرات لو طبقت لأصبحت من أفضل القوانين حماية للطفل والأسرة في العالم، لكن ما يعيب عليها أنها مطاطية ولا تطبق بشكل صريح على أراضي الواقع".

ويوضح، لـ"العربي الجديد"، أنّ "القوانين العراقية تتضمن حماية شبه متكاملة للطفل بالتحديد من بينها قانون رعاية الأحداث رقم 76 لسنة 1983، ويشمل دور التأهيل وأحكام الضم ومسؤولية الأولياء، فضلاً عن التصويت على قانون حماية حقوق الطفل في الأمم المتحدة عام 1991".

وتعزو رئيسة لجنة المرأة والأسرة في البرلمان عن دورته السابقة، رحاب العبودي، سبب عدم تشريع القانون على الرغم من قراءته قراءة أولى وثانية من قبل أعضاء البرلمان، إلى اللغط الذي رافق القانون من قبل الأحزاب السياسية، لأنهم يرون أنه يزيد من التفكك الأسري وحالات الطلاق، عدا عن عدم وضوح موقف المرجعية الدينية في النجف من القانون.

وتقول العبودي لـ"العربي الجديد" إنّ "القانون عرض على أكثر من مرجع ديني في النجف، إلا أنهم لم يدرسوه ولم يطلعوا على بنوده، وطلبوا عدم التدخل في القضايا التشريعية، وتركوا خيار تشريعه للبرلمان، واكتفوا بأن يكون القانون مراعياً للمجتمع والتقاليد". تتابع أن "كل الدوائر التي تعمل على حماية الأسرة في الوقت الحالي تعمل من دون غطاء قانوني. لهذا، فإن تشريع القانون ضرورة ملحة لا بد من المضي بها".

وتتحدث العبودي عن "خروقات كارثية بحق النساء المعنفين والأطفال، لعدم وجود قانون يحميهم، وتضطر الدوائر المعنية إلى زج المعنفين بالسجن لعدم وجود أماكن مخصصة لإيوائهم"، داعية "المهتمين بحقوق الإنسان والأحزاب السياسية إلى إبعاد القانون عن المزايدات السياسية، وعدم استخدامه كورقة ضغط لأغراض سياسية".

إلى ذلك، يعزو الباحث في الشأن الاجتماعي وأستاذ الطب النفسي حميد يونس، أسباب زيادة العنف الأسري في العراق إلى التصدع السياسي والاجتماعي الذي ولد بيئة نفسية ضاغطة وجواً غير صحي، مشيراً إلى أن الإهمال المؤسساتي يعد واحداً من أسباب زيادة نسبة العنف ضد الأطفال، مشدداً على ضرورة الخضوع للعلاج النفسي وإنشاء مصحات نفسية، بالإضافة إلى تنظيم قانون لحماية الطفل وتشديد قوانين العقوبات.

قضايا وناس
التحديثات الحية

ويبين يونس، لـ"العربي الجديد"، أن "جرائم العنف التي نشاهدها باستمرار تستوجب إنزال أشد العقوبات بمرتكبيها، وتثبت أننا نعاني الإهمال التربوي والأسري والمؤسساتي. نحن بحاجة لإدانة كل من كان على علم بالأذى الذي لطالما تعرض له هذا الطفل ولم يحرك ساكناً بدءاً من الأب، وانتهاء بالمدرسة والنظام التربوي برمته".

وعن الجريمة التي راح ضحيتها الطفل موسى، يؤكد أن "الحادثة تكشف أننا في مواجهة مع فوضى كبيرة تعاني منها البلاد. وأدى غياب الرعاية الحكومية للأطفال إلى سقوط ضحايا، منهم موسى والكثير ممن لم يسلط الضوء عليهم. وأدرك أن الطفل ليس سوى ضحية لهذه الأزمات".

 

المساهمون