العراق: درجات الحرارة تغيّر نمط العمل في رمضان
تشهد المحافظات العراقية ارتفاعاً بدرجات الحرارة يلامس الأربعين درجة مئوية، ما دفع بقسم كبير من العاملين في شهر رمضان إلى العمل بعد تناول وجبة الإفطار، وصولاً إلى موعد السحور، وذلك للحفاظ على صيامهم في ظل درجات الحرارة المرتفعة في البلاد. وتتطلب بعض الأعمال العمل في الأجواء المفتوحة، أو داخل المباني قيد الإنشاء، وهو ما يجعل العمل صعباً على العامل الصائم الذي يفقد نسبة كبيرة من السوائل من جسمه، وهو ما دفع بنسبة كبيرة منهم للاتجاه إلى العمل الليلي، إذ يستعين العمال بمولدات الكهرباء لتوفير الإنارة، وأبرز الأعمال التي تنجز في الفترة المسائية هي أعمال البناء، والتي تتطلب جهداً كبيراً من العمال لا يمكن للصائم تحملها بدون شرب الماء والسوائل التي تعتبر الرفيق الدائم لهم في كافة أشهر السنة.
يشرح عبد السلام التميمي، الذي يدير في العراق مجموعة عمال في أعمال نجارة قوالب البناء لـ"العربي الجديد" لماذا يستحسن العمل في فصل الصيف، قائلاً: "فصل الصيف هو مصدر الرزق الأكبر بالنسبة لعمال البناء، إذ يفضل العراقيون بناء منازلهم في هذه الفترة من السنة كون حرارة الجو تساعد في إتمام العمل بوتيرة أسرع بعد أن تجف القوالب الإسمنتية خلال فترة قصيرة، إضافة إلى عدم وجود الأمطار التي تعرقل العمل، ما يؤدي إلى توقف العمل الخارجي خصوصاً في فترة الشتاء".
وعن فترة العمل الليلي أشار التميمي إلى أنّ "العمل في الفترة المسائية ليس جديداً على عمال العراق، فهو الحل الأنسب الذي نلجأ اليه عندما نعمل في فترات الصيف بالمناطق المكشوفة حديثة البناء، إذ لا يوجد عدد كبير من السكان لكون العمل يسبب ضوضاء عالية، كما نمارس العمل في القرى التي تتباعد منازلها عن بعضها البعض". وأضاف: "في شهر رمضان نباشر عملنا بعد تناول وجبة الإفطار، كما نؤدي فروضنا بشكل جماعي، إذ نخصص وقتاً لأداء صلاة التراويح، كما نتناول سحورنا في موقع العمل ونعود أدراجنا إلى المنازل بعد أن نؤدي صلاة الفجر". وتنخفض ساعات العمل الليلي إلى خمس ساعات في رمضان، أي أقل بنحو ثلاث ساعات عن العمل في الأيام العادية.
وتعتبر محافظة البصرة الجنوبية أكثر مدن العراق ارتفاعاً في درجات الحرارة والرطوبة، والتي اعتاد سكانها على العمل في ظروف مناخية صعبة. يعتبر العامل في التأسيسات الصحية عباس العيداني، "أنّ الطقس الحار لا يشكل عائقاً أمام السكان، فمن يسكن في البصرة عليه التأقلم مع الظروف المناخية الصعبة، كما أنه سيعتاد على شرب المياه والسوائل بكثرة، ويعتبر الطقس العامل الأساسي الذي يجبرنا على تأجيل الأعمال للفترة المسائية، خصوصاً أنّ العمل في الأماكن المكشوفة خلال شهر رمضان في البصرة شديد الصعوبة".
ويتركز عمل العيداني بشكل أساسي داخل الأبنية قيد الإنشاء، وعلى الرغم من أنّ طبيعة عمله دائماً ما تكون داخل الأبنية ولا يتعرض فيها إلى أشعة الشمس، لكنه يفضل العمل في شهر رمضان ليلاً. يقول: "نتحرك في عملنا غالباً داخل الأبنية المرتفعة الحرارة في فصل الصيف، وهو ما يفقدنا قوتنا وطاقتنا أثناء النهار، ولذلك نلجأ إلى شرب كميات كبيرة من المياه والعصائر، وهو أمرٌ لا يمكننا فعله في شهر رمضان، خصوصاً أنّ عملنا يتطلب منا العمل أيضاً على الأسطح وفي الحدائق، وفي أماكن مكشوفة عديدة". وبحسب العيداني فإنّ العمل داخل المباني الكبيرة يتطلب أكثر من شهرين، ما دفعهم لتكثيف الأعمال مع رفاقه قبل شهر رمضان، لتبقى بعض الأعمال التي يمكن إنجازها في الفترة المسائية خلال شهر رمضان.
وتبقى أعمال البناء هي الأكثر صعوبةً في شهر رمضان، إذ يشرح عاملون في المجال، بأن المقاولين يقدمون مصلحة العمال على مصلحتهم، نظراً لارتفاع درجات الحرارة. وهو ما يؤكده العامل بالأجر اليومي في تفريغ وتحميل مواد البناء، حبيب عز الدين، إذ قدم له صاحب منزل قيد الإنشاء مولدا للكهرباء ليستخدمه أثناء عمله في الموقع خلال الفترة المسائية. يتابع: "يختلف العمل في رمضان عن كافة الأشهر، إذ يسمح للعمال بتغيير أوقات العمل للفترة المسائية، فلا يمكن للعمال إنجاز المهام الموكلة لهم وأداء فريضة الصيام مع درجات الحرارة المرتفعة"، مضيفاً: "يسمح لنا المقاولون وأصحاب المنازل بالعمل حسب طاقتنا ورغبتنا، كما يقدمون لنا وجبات السحور، والهدايا الرمضانية مثل ملابس الأطفال، إضافة إلى المكافآت المالية".
وبحسب مصلحة الأرصاد الجوية العراقية، تبلغ درجات الحرارة في العاصمة بغداد بين 39 و41 درجة مئوية، وتصل في محافظات جنوبية مثل البصرة والناصرية إلى 42 درجة مئوية، وفي المناطق الشمالية بين 31 و35 درجة مئوية في محافظات مثل السليمانية والموصل وأربيل ودهوك. وفي الليل تنخفض درجات الحرارة في عموم مناطق العراق إلى النصف ما يجعل الأجواء لطيفة.