يتزايد العنف الأسري في العراق، وتخلف الوقائع تلك التي تسجلها الأجهزة الأمنية والطبية ضحايا، ويعقب ذلك عدم تطبيق السلطات العقوبات، ليجري التستر على الجرائم من خلال إخفاء الجناة، أو إخراجهم بكفالات بعد تغيير التهم الموجهة إليهم. ما يدفع إلى اتهام الحكومة بالتقصير في التعامل مع ضحايا العنف الأسري.
أخيراً، شهدت العاصمة بغداد حادث عنف أسري خطيراً انتهى بإطلاق رجل النار على زوجته وابنته قبل أن ينتحر، وأوضحت مصادر أمنية أن "الحادث وقع في قضاء النهروان شرق بغداد، بعد سلسلة مشاكل وتعنيف بين الضحايا". وسبق ذلك وفاة طفل يدعى يوسف ولاء (7 سنوات) إثر جريمة مروعة شهدتها منطقة الخطيب التابعة لحيّ الشعلة بالعاصمة بغداد، وذلك بعدما تعرّض لتعذيب قاسٍ من قبل زوجة أبيه، شمل استعمال الكهرباء، ثم سكين وملح وخنق، وأعقب الواقعة مطالبة نشطاء وبرلمانيين بأن تتخذ السلطات إجراءات صارمة في حق مرتكبي قضايا العنف الأسري لتقليل الجرائم.
يقول مدير الشرطة المجتمعية العميد غالب العطية لـ"العربي الجديد": "يزداد العنف الأسري لأسباب مختلفة، منها انتشار المخدرات وقلة الوعي وصعوبات الحياة، إضافة إلى تعمّد السكوت وعدم تقديم شكاوى. تستقبل الشرطة المجتمعية اتصالات كثيرة من رجال ونساء، وحتى أطفال، يتعرضون لعنف داخل المنازل، ونرصد يومياً حالات غير اعتيادية من العنف الأسري تأخذ طابع ارتكاب جرائم تترافق مع إصرار وترصد".
وسبق أن أطلق برلمانيون وناشطون حقوقيون تحركات تهدف إلى الدفع في اتجاه طرح مشروع قانون أمام البرلمان لمكافحة العنف الأسري، وأقرت الحكومة السابقة في عام 2020، مشروع قانون لمناهضة العنف الأسري، وأرسلته إلى مجلس النواب الذي لم يمرره بسبب تجاذبات وعراقيل وضعتها كتل سياسية اعتبرت أن القانون المقترح يقلّد قوانين غربية، ويمنح المرأة الحق في الحصول على رعاية حكومية، "ما قد يشجعها على التمرد".
تقول الناشطة أفراح حسن لـ"العربي الجديد" إن "أعضاءً في الحكومة والبرلمان يرفضون إقرار قانون العنف الأسري، فيما يعمل الحراك الاجتماعي للمنظمات المدنية منذ سنوات على خلق رأي مساند للتشريع، وإقناع الكتل السياسية المتخوفة من إقراره، والمضي نحو تمريره داخل البرلمان رغم الصعوبات التي يواجهها هذا الحراك، لأن النجاح في تمرير القانون سيكون انتصاراً للمجتمع".
تضيف: "يستمر تزايد جرائم العنف الأسري بسبب عدم وجود عقوبات رادعة، ما يكرّس غالباً ظاهرة الإفراج عن الجناة، رغم أن بعضهم قتلة فعلاً، وذلك بعد تغيير محاكم ومحامين أنواع الجرائم إلى دفاع عن النفس، أو جرائم شرف، أو اعتبار أن جرائم القتل حصلت بسبب حوادث غرق أو انتحار. عشرات الجرائم ترتكب شهرياً من دون أن يكشفها الإعلام، ويذهب ضحيتها نساء وأطفال غالباً، وأحياناً رجال".
من جهته، يوضح النائب المستقل، هادي السلامي، لـ"العربي الجديد"، أن "قانون العنف الأسري بات ضرورياً، وطالبنا مرات بضرورة إقراره في البرلمان، لكن إرادات سياسية وتوجهات لبعض الأحزاب الدينية تمنع تشريعه. ونحن نسمع عن قصص مأساوية كثيرة يومياً، ونعتبر أن استمرار السكوت عنها يعني أننا مقبلون على أزمات اجتماعية خطرة".
وتقول النائبة السابقة في البرلمان والمستشارة الحالية في الحكومة آلاء طالباني لـ"العربي الجديد" إن "الحديث يتكرر مع كل جريمة عن الأسباب والمعالجات وضرورة تمرير تشريعات للحدّ من العنف الأسري، لكن الجهات الرسمية في الحكومة والبرلمان لا تصدر شيئاً، وتختار الصمت، وهذا أمر غير مستغرب في ظل عدم وجود مؤسسة رسمية تعنى وتهتم بالأسرة والطفل بعد إلغاء وزارة المرأة، وحصر الأجهزة الرسمية العاملة بدائرة تمكين المرأة التي تصمت أيضاً عن تزايد حالات العنف الأسري في المجتمع. وما يقلقنا حقيقة أن مسؤولين كثيرين يرفضون تشريع قانون العنف الأسري الذي يلازم رفوف مجلس النواب منذ سنوات، بل يحاولون تشويهه، ويصوّرونه بأنه قانون يهدف إلى تفكيك الأسرة الذي لا يتناسب مع متطلبات المجتمع وتقاليده وعاداته".
ويطبق العراق مواد تشريعية صدرت في عام 1969، تسمح للزوج أو الأب بـ "تأديب الأبناء أو الزوجة بالضرب ما دام لا يتجاوز حدود الشرع"، ويورد قانون العقوبات أنّه "لا جريمة إذا وقع فعل الضرب من خلال استعمال حق يقرره القانون"، في إشارة إلى حق التأديب. وتفرض الشرطة عادة تعهدات على من سبّب الضرر لشخص آخر إذا كان والداً أو والدة أو زوجاً، في إطار إجراء "مصالحات"، وإذا كان الأب، تُلزم الأطفال بالعودة إلى المنزل.