يعاني العراق من أزمات بيئية متراكمة، من بينها ما يرتبط بشحّ المياه والعواصف الترابية ونفوق الحيوانات في مناطق جنوب البلاد، بالإضافة إلى انتشار النفايات في مختلف المدن من دون تدويرها. وفي ظلّ هذه الأزمات، كشفت وزارة البيئة العراقية أنّ العمل على المستويات الوطنية لا يحقّق نتائج إيجابية في مواجهة التغيّر المناخي من دون تعاون دولي.
وقد شارك وزير البيئة جاسم الفلاحي في لقاء عُقد في قبرص، جمعه بممثلين عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) والاتحاد الأوروبي، لإعادة تشكيل كوكب الأرض في مواجهة التغيّر المناخي بمشاركة 130 دولة. وصرّح الفلاحي في بيان عقب هذا الاجتماع بأنّ "العمل على المستويات الوطنية لا يمكن أن يحقّق نتائج إيجابية وواقعية في مواجهة آثار التغيّر المناخي من دون تعاونَين إقليمي ودولي يمكّنان من تحقيق تقدّم مثمر في تطبيق الاستراتيجية التي وضعتها الحكومة العراقية".
وأشار الفلاحي إلى "أهمية التزام الدول الصناعية الكبرى بالآلية التعويضية التي أقرّها اتفاق باريس" للمناخ (2015)، مشدّداً على "الدعم الكبير الذي توليه الحكومة العراقية واهتمام رئيس مجلس الوزراء بموضوع التغيّر المناخي وتداعياته الاقتصادية والصحية والاجتماعية والأمنية، ودور الشباب والنساء خصوصاً، ومساهمتهم في مواجهة التغيّر المناخي وتعزيز المساهمة المجتمعية".
ويُعَدّ العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتداعيات تغيّر المناخ والتصحّر في العالم، في ظلّ ارتفاع نسبة الجفاف ودرجات الحرارة التي تتجاوز خمسين درجة مئوية في فصل الصيف على مدى أسابيع، بحسب تقارير دولية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حذّر البنك الدولي من انخفاض بنسبة 20 في المائة في الموارد المائية للعراق بحلول عام 2050 بسبب التغيّر المناخي، علماً أنّ نهرَي دجلة والفرات يشهدان شحّاً في المياه بالتزامن مع ارتفاع نسبة جفاف الأنهر الأخرى.
وأدّت الأزمات البيئية في العراق التي سُجّلت في الأعوام الخمسة الماضية إلى تغيّرات اجتماعية، من بينها الهجرة الكبيرة لسكان مناطق الأهوار، جنوبي البلاد، وتراجع منسوب المياه إلى حدّ جفاف الأنهر العراقية، وأبرزها ديالى، إلى جانب العواصف الترابية التي باتت تهبّ يومياً وأسبوعياً.
كما يعاني العراق من التصحّر نتيجة عمليات جرف الغطاء الأخضر، وسوء إدارة أزمة المياه التي تسبّبت في موجة جفاف حادة، بالإضافة إلى الاعتداء على الغطاء النباتي وتعمّد تدمير البيئة الذي نتج أيضاً عن الحملات العسكرية التي استدعت جرف آلاف الهكتارات من البساتين والأراضي الزراعية في مناطق عدّة في البلاد، الأمر الذي حوّلها إلى أراضٍ قاحلة.
في هذا الإطار، قال عضو منظمة "حماة دجلة" حميد العراقي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأزمة البيئية التي تؤثّر في العراق هي جزء من أزمة الاحتباس الحراري في كلّ العالم، بالتالي فإنّه لا بدّ من توفّر تعاون عالمي، وعلى دول العالم المتأثرة أن تساعد العراق". ولم يخفِ العراقي أنّ "الحكومات العراقية لم تكن واعية للأزمات البيئية في خلال الأعوام العشرين الماضية، وقد سمحت لبعض دول الجوار بتجاوز الحقوق المائية للبلاد وسمحت لملايين العراقيين باستغلال البساتين والأراضي الزراعية وتحويلها إلى مناطق سكنية، الأمر الذي جعل العراق ملوّثاً وغير آمن بيئياً".
من جهته، رأى النائب المستقل في البرلمان العراقي حسن السلامي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "التوجّه نحو المنظمات الدولية والدول الناجحة في صناعة الأحزمة الخضراء والخطوط الدفاعية ضدّ الظواهر البيئية بات ضرورياً بالنسبة إلى وزارة البيئة والجهات المختصة في البلاد". وأشار السلامي إلى أنّ "البرلمان العراقي كان قد تناول هذه الظاهرة، لكنّ الاحتجاجات والمشكلات السياسية أدّت إلى تأجيل العمل على هذا الملف. لكنّ ثمّة عودة للبرلمان، وسوف تكون توصية بالتوجّه نحو تمتين العلاقة مع دول العالم في سبيل حلّ هذه الأزمة".
في سياق متصل، بيَّن الخبير في مجال البيئة محمد العبيدي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "أزمة البيئة لن تنتهي في السنوات المقبلة، بل إنّ الأوضاع سوف تزداد سوءاً، لكنّ ثمّة إمكانية لتقليل الأضرار من خلال إنعاش العراق بالموارد المائية وتوفير مساحات خضراء لمنع تشكّل العواصف الترابية ومرور الرياح في مناطق صحراوية". أضاف العبيدي أنّ "العواصف الترابية هي أكثر ما سوف يهدّد العراقيين في المستقبل، لأنّها في ازدياد مستمر بسبب توفّر عوامل عدّة من قبيل تربة الصحارى والمناطق القروية ومناطق الرعي".
تجدر الإشارة إلى أنّ تقريراً نشرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر في العام الماضي أوضح أنّه في الفترة الممتدة ما بين عامَي 1951 و1990، كان المعدّل الوسطي السنوي للعواصف الترابية في العراق محدّداً بعاصفة واحدة كلّ 24 يوماً مقارنة بعواصف في خلال 122 يوماً من عام 2013. كما تفيد إحصاءات نشرتها الهيئة العامة للأرصاد الجوية في العراق بأنّ عدد الأيام التي تشهد أجواء مليئة بالغبار زاد تدريجياً منذ عام 2013.