تعاني مئات العائلات العراقية القاطنة في مخيم الجدعة جنوب مدينة الموصل شمالي العراق نقصاً في المواد الغذائية والمياه الصالحة للشرب، بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض الجلدية والتنفسية وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، الأمر الذي يفاقم مشكلات الأسر. وتعدّ برامج المساعدات التي تقدمها المنظمات للنساء والأطفال في المخيم ضئيلة، إذ تشير بعض النساء إلى الحاجة لمزيدٍ من البرامج النفسية والتعليمية لإعادة استقرار الأسر التي تخشى العودة إلى مدنها الأصلية لأسباب أمنية.
ويضم مخيم "الجدعة" الأسر العراقية التي كانت تقطن في مخيم الهول السوري، والتي عادت إلى العراق خلال الأشهر الماضية بعد تدقيق سجلاتها أمنياً من قبل السلطات، وغالبيتها من النساء والأطفال والمرضى وكبار السن.
وتظهر صور جديدة حصل عليها "العربي الجديد" من داخل المخيم المحصن بواسطة قوات الأمن العراقية مدى تراجع الخدمات وتلف الخيام التي كانت قد قدمتها الأمم المتحدة في وقتٍ سابق.
وتقول نساء لـ "العربي الجديد" إن الانتقال من مخيم الهول السوري إلى مخيم الجدعة العراقي لم يكن كما توقعن؛ إذ إن المشكلات كثيرة، بدءاً من الخيام وانتهاء بالطعام، بالإضافة إلى عدم توفر العلاج. وتشير إحدى النساء إلى تعرضها للإذلال، قائلة إن العاملين في المخيم "يظهرون صورة مختلفة لدى وصول المسؤولين الحكوميين من بغداد ويتحدثون بما يخالف الواقع". وتتحدث عن مشكلات كثيرة، منها عدم توفر المياه الصالحة للشرب وسوء التغذية والخوف من المجهول.
وحتى الآن، لم تكشف الحكومة العراقية عن مصير العائلات بعد إتمام برامج تأهيلها، وتحديداً العائلات القادمة من المناطق التي تسيطر عليها جماعات مسلحة حليفة لإيران، مثل جرف الصخر والعويسات ويثرب والعوجة وعزيز بلد ومناطق في ديالى، بالإضافة إلى سنجار التي ينشط فيها مسلحو حزب العمال الكردستاني.
وكان معاون مدير دائرة الهجرة والمهجرين في محافظة نينوى عازم حازم قد أكد مطلع العام الجاري أنّ إغلاق مخيم "الجدعة" من الملفات التي تعمل عليها وزارة الهجرة والمهجرين من خلال التنسيق مع مستشارية الأمن الوطني، في ظل وجود جهود لإقناع النازحين بالعودة الطوعية إلى منازلهم.
ويقول معاون مدير هجرة فرع نينوى التابع لوزارة الهجرة والمهجرين عازم حازم داوود إن "الوزارة بدأت في إعداد برامج خاصة لعودة الأسر في المخيم بالتنسيق مع المنظمة الدولية للهجرة وديوان الوقف السني. كما تم التنسيق مع جهات أخرى لتقديم الدعم لهذه الأسر من أجل عودتها طوعاً"، مؤكداً أن "البرامج شملت التأهيل النفسي والدعم المادي".
من جهته، يشير الناشط من محافظة نينوى أنس السالم إلى أن "مخيم الجدعة لا يختلف عن غيره المخيمات العراقية التي تعاني الإهمال ونقص الخدمات، وخصوصاً بعد انسحاب العديد من المنظمات الغربية من جراء الحرب الأوكرانية، الأمر الذي أدى إلى زيادة معاناة النازحين". يضيف أن عودة بعض العائلات من مخيم الهول إلى الجدعة ترافقت مع جدل شعبي كبير، إذ تنتمي غالبية أفراد هذه العائلات إلى تنظيم داعش. هذه العودة كانت غير مدروسة ولم تعمل الحكومة على تهيئة الظروف المناسبة، سواء من الناحية الاجتماعية أو الخدمات التي يحتاجها النازحون".
ويبدي السالم استغرابه خلال حديثه مع "العربي الجديد" من "إعلان الحكومة العراقية في أكثر من مرة إغلاق جميع المخيمات بعد توفير كافة الاحتياجات المطلوبة لعودتهم. إلا أن الواقع مختلف، إذ لم يتم تأهيل الكثير من المناطق حتى الآن أو إعادة الحياة إليها، وفي مقدمتها قضاء سنجار غربي محافظة نينوى، ما يحول دون عودة الأهالي". ويقول إن "الحكومة مطالبة حالياً بالعمل على إعادة إعمار وتأهيل المناطق المحررة وفرض سلطة الدولة والقانون فيها ليتمكن النازحون من العودة إليها".
وسبق لمدير دائرة الهجرة في محافظة نينوى خالد عبد الكريم إسماعيل أن أكد استقبال 5 دفعات لأسر عائدة من مخيم الهول، أي 660 عائلة عراقية في مركز الجدعة، مضيفاً أن هؤلاء يخضعون لإعادة التأهيل في المركز. كما أوضح أن غالبية العائلات المقيمة في المركز قدمت من المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
وعلى الرغم من التدقيق الحكومي الأمني لتلك العائلات، والتأكد من عدم وجود أي ارتباط لها بتنظيم "داعش" قبل إعادتها إلى العراق، إلا أن أطرافاً سياسية عراقية حليفة لإيران ترفض إعادتها من مخيم الهول، وقد دأبت على توجيه الاتهامات لها بأنها "متورطة بالإرهاب"، وأجبرت الحكومة على وقف برنامج نقل العائلات لأشهر عدة مضت خشية استهدافهم من قبل الفصائل المسلحة المرتبطة بتلك الأطراف، ما دفع الحكومة إلى السعي لإعادة تأهيلها.