- القتال والإضرابات العامة أدت إلى تعطيل العملية التعليمية، خسارة الطلاب لجزء كبير من العام الدراسي، ومواجهة المعلمين صعوبات في الحصول على رواتبهم.
- تتفاقم الأزمة التعليمية بسبب الصراع العسكري والاقتصادي، مع تزايد الإضرابات وترك العديد من المعلمين والطلاب للقطاع التعليمي، مما يهدد مستقبل التعليم في السودان.
دوماً، تتحول أحلام السودانيين إلى كوابيس. فالانتفاضة على نظام الرئيس السابق عمر البشير في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2019، والوعود بفتح أبواب المدارس والمعاهد والجامعات مجاناً انتهت بتعطيل مؤسسات التعليم جرّاء الحرب الضروس بين قوات الجنرالين قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي".
والقتال الذي بدأ في العاصمة الخرطوم ثم امتد إلى معظم الأقاليم بنسب متفاوتة، عطل العملية التعليمية من ألفها إلى يائها. وحتى الآن، سجلت أيام القتال المتواصل قرابة العام، لكن مفاعيلها ستحكم على سنوات تعليمية بالضياع. ففي العام الدراسي الماضي، خسر التلاميذ بفعل إضراب المعلمين قرابة 30 في المائة من أيام الدراسة، ثم انفجر القتال فخسروا معظم عامهم الدراسي. في هذا العام، يبدو أن الأوضاع تسير من سيئ إلى أسوأ.
وبرزت العديد من المشاكل المرتبطة بحال القتال الذي يدور من دار إلى دار ومن مدينة إلى أختها. وكلها تقود إلى تعقيد مشكلة العودة إلى مقاعد الدراسة في حال هدأت الأحوال. بالطبع، برزت العام الماضي أكثر من مسألة، فالامتحانات المدرسية والعامة التي كانت الوزارة تؤكد أهمية إجرائها تعطلت في معظم المناطق لتعذر وصول الأساتذة والطلاب إلى المدارس، التي تحول بعضها إلى ملاجئ للمهجرين والنازحين من بيوتهم، بينما البعض الآخر بات عبارة عن ثكنات عسكرية للقوى المتصارعة.
والبديهي في قتال الأحياء والشوارع أن تخسر المؤسسات التربوية تجهيزاتها من سجلات ومقاعد وكراسٍ وأجهزة كومبيوتر ومكتبات ومختبرات ومكاتب تعرضت للخراب والسرقة ضمن حالة الفوضى السائدة. ومن البديهي أن تشهد البلاد جدلاً واسعاً حول مصير الامتحانات العامة والمدرسية، ولا سيما لطلاب الثانوية العامة نتيجة خسارتهم أسابيع عديدة من العام الدراسي، هم الذين كانوا يخططون للدخول إلى المرحلة التعليمية الجامعية. وخسارة مثل هذه الفرصة ستؤثر على مستقبلهم، باعتبار أن الجامعات لن تسمح لطلاب غير حاصلين على هذه الشهادة دخول حرمها. إلا أن المشكلة الأبرز تمثلت في قضية تأمين دفع رواتب المعلمين والأساتذة والإداريين في القطاع التعليمي وزيادتها إلى ما يساوي 120 دولاراً أميركياً. وتطالب لجنة المعلمين وهي جسم مطلبي بزيادة الإنفاق على التعليم بنسبة 20 في المائة من ميزانية الدولة العامة، ودفع مستحقات المعلمين في البدلات، وتعديل العلاوات ذات القيمة الثابتة تماشياً مع الظروف الاقتصادية، فضلاً عن زيادة الحد الأدنى لأجر المعلم الحالي الذي لا يغطي سوى 13 في المائة من تكاليف المعيشة. ورغم الوعود والضغوط والاتصالات التي أجريت من أجل حلحلة الوضع وتأمين الرواتب لم يتحقق ذلك، ما دفع المعلمين إلى تنفيذ العديد من الاعتصامات وممارسة الإضراب والإغلاق الشامل للمدارس في مراحلها المختلفة.
وقادت حالة انعدام الوصول إلى حلول إلى تصاعد في حركة الإضراب حتى أن عدد المدارس التي شاركت في الإضراب الشامل والجزئي وصل إلى حوالى 17،785 مدرسة في سائر مراحل التعليم المختلفة بكل ولايات السودان، بحسب بيان اللجنة، منها نحو 15،007 نفذت إغلاقاً شاملاً، وما يقارب 2778 مدرسة أغلقت بشكل جزئي من خلال استمرار تدريس طلاب الصفوف النهائية (السادس الابتدائي والثالث الثانوي)، بينما عطلت الدراسة لبقية الفصول بالمرحلتين، ولم تستجب للإغلاق أكثر من 2000 مدرسة بحجج وصفها البيان بـ "الواهية"، وهو ما شمل العاصمة وسائر الولايات.
في النتيجة، فإن مصير العام التعليمي الراهن هو في أيدي الجنرالين. وتركت أعداد كبيرة من المعلمين والإداريين والطلاب القطاع، وأخذوا يبحثون عن عمل ما لتوفير نفقاتهم الضرورية. ومع تعقد الأزمة، تعالت الاتهامات من قبل المعلمين للقائدين ولوزارات التربية والمالية والتخطيط الاقتصادي بالتنكر لحقوقهم رغم وجود مسودة اتفاق أمام مجلس السيادة الانتقالي، لكنها تواجه إهمالا باعتبار أن الأوضاع العسكرية لا تسمح بالترف التعليمي.
(باحث وأكاديمي)