الطيور في العام الثاني لكوفيد-19

24 نوفمبر 2021
طيور مهاجرة من لبنان (Getty)
+ الخط -

في بداية كورونا أوائل عام 2020، حجرت الحكومات رعاياها في بيوتهم، لا بل حجر أشخاص كُثر أنفسهم في منازلهم حتى خلت الشوارع والساحات، وبدأت الحيوانات التي تعيش في الغابات بعيداً عن الإنسان بالخروج من بيئتها رويداً رويداً وعلى دفعات متتالية. بدأت بعض الحيوانات بالخروج إلى الطرق والمدن والمناطق السكنية في القرى كي تستطلع الأوضاع، وتمشت حول البيوت حتى أن بعضها كان ينظر من الشبابيك إلى الناس داخل البيوت. وفي بعض البلدان مثل إسبانيا والبرتغال وفرنسا اعتاد الحمام الذي يسكن في البيوت والبنايات أن ينزل إلى الساحات ليلتقط بعض البذور والحبوب وفتات الخبز، لكنه لم يجد شيئاً لأنه لم يكن هناك بشر حتى غدت الساحات نظيفة من بقايا سندويشات الناس وفتات طعامهم. 
وفي لبنان، خاصة في منطقة المعرض وساحة النجمة وساحة الشهداء وسط بيروت بحث الحمام وعصافير الدوري عن طعام فلم تجد، حتى أنهم اشتاقوا كما الهررة إلى البطاطا المقلية التي تقع من بعض آكلي "الفرنش فرايز" لكنهم لم يعثروا على أثر منها.  كيف يجدونها وليس هنالك من مطعم مفتوح ولا زبائن تقصد المطاعم فكل المحلات مغلقة، فبدأ الحمام والدوري والهررة تجوع، وبما أن الحمام والدوري يستطيعان الطيران، قررا سريعاً البحث عن طعامهما في الأحياء الداخلية البعيدة عن مركز البلد. أما الهررة فبدأت تهجر "الداون تاون" رويداً رويداً حتى وصلت إلى الأحياء الداخلية حيث الوضع أفضل. 
قد يكون ما سبق ذكره معروفاً لدى الناس التي شاهدت الحمام والهررة والكلاب والغزلان والوعول تتنزه في المدن، وتستطلع إمكان وجود طعام من عدمه. لكن المعلومات التالية هي حديثة لأبحاث لم تنشر بعد حتى التأكد منها. ففي موسم عام 2020 لهجرة الخريف للطيور الجارحة والحوامة التي تسير في ممرات هوائية معروفة حيث تحملها الصواعد الهوائية اللولبية إلى الأعلى بدون ضربة جناح، وهي تسبح في الفضاء في طريقها إلى مشاتيها بالقارة الأفريقية الدافئة، لم تكن هذه  الطيور على عهدها في التزام نفس الممرات المتجهة من الشمال إلى الجنوب، إذ شوهدت أحياناً تجنح على غير عاداتها إلى الشرق أو الغرب، أو تعدل مسارها مثلاً من وادي خالد في أقصى شمال لبنان مروراً بوادي عودين، ثم تتجه نحو الهرمل شرقاً بدلاً من أن تتجه جنوباً إلى قاع الريم فوادي العرايش كي تتبع السفح الشرقي لجبل الباروك. 
لم تجد هذه الطيور صيادين كثيرين على الأرض ينتظرون عبورها الممرات المعهودة، فتسكعت يميناً ويساراً علّها تجد مكاناً ترتاح به أو مشرباً تعبّ منه أو طعاماً يستهويها كما استهوتها جحافل الجراد التي غزت بلدان شرقي البحر المتوسط. ظننا أن هذا التسكع قد يكون نتيجة تغيير الصواعد الهوائية لمساراتها، فقررنا درس الموضوع في مطلع خريف 2021. ودلّت المشاهد الأولى على سلوك الطيور مساراتها القديمة، خصوصاً بالنسبة إلى حوام العسل الذي بدأ يعبر في 10 أغسطس/ آب الماضي، وبأعداد كبيرة وصلت إلى حد ألفي طائر في بعض الأيام. 

موقف
التحديثات الحية

وبعد مرور أسبوع بدأت الانحرافات عن الخطوط الأساسية لممرات الطيور المحلّقة، حيث شوهدت طيور آتية من الشمال الشرقي للبنان، أي من جبل أكروم، واتجهت إلى الضنية نحو الجنوب الغربي بدلاً من استمرارها من القبيات نحو اليمونة وزحلة. وفي 17 أغسطس/ آب، شوهد رف كبير من الطيور الحوامة فوق بلدة كفرحبو قرب مدينة زغرتا وهو يتجه نحو إهدن صعوداً من ارتفاع 200 متر فوق سطح البحر، ووصولاً إلى بشري على ارتفاع 1500 متر، ثم نزولاً إلى البقاع نحو اليمونة على السفح الشرقي لسلسلة جبل لبنان. 
حصل كل ذلك بدلاً من الاتجاه من كفرحبو التي تبعد نحو 8 كلم عن الساحل إلى الجنوب ودائماً على نفس البعد تقريباً من الساحل لتصل إلى عاليه ثم إلى الحدود الجنوبية. هذه النتائج لا بدّ أنها مرتبطة بكوفيد- 19 وأخواته من متحوّر "دلتا" وربما أيضاً متحوّر "لامبدا"، وجميعها أقعدت الناس في البيوت عبر الحجر الذي فرضته السلطات، ومنعت بموجبه معظم الصيادين من الخروج إلى الحقول والبراري والجبال، وأمنت للطيور حرية أكبر في التنقل، الأمر الذي تجلى بظهور طائر اللقلاق على الأرض في معظم المناطق يبحث بين الأعشاب عن الحشرات والقوارض والضفادع ليأكلها من دون أن يتعرض لـ "مجازر". 
وهنا قد يقول بعضهم أن السبب في قلة الصيادين هو الأزمة المالية وغلاء خرطوش الصيد. وهذا الأمر لا بدّ أن يخفض عدد الصيادين قليلاً، لكن السبب الأساس هو كوفيد- 19 بدليل أن انحراف الطيور كان بدأ عام 2020 أي قبل استفحال الأزمة الاقتصادية، أيام كان البنزين متوفراً للسيارات وأيام كان الخرطوش متوفراً في محلات الأسلحة. 

(متخصص في علم الطيور البرية)  

المساهمون