ولد في عام النكبة عام 1948 داخل مخيم رفح للاجئين الفلسطينيين الذي لجأت أسرته المهجرة إليه، ونشأ في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" على حب مواد العلوم والتركيبات الكيميائية، لكنه أحب في الوقت ذاته التاريخ وبحث فيه بشغف. ورغم غرابة الجمع بين عشق الكيمياء والتاريخ معاً، حافظ عبد المجيد يونس على شغفه بالموضوعين، وامتهن الصيدلة وجمع الطوابع البريدية لأكثر من 150 دولة.
داخل الشارع الأول في حي تل السلطان بمدينة رفح جنوب قطاع غزة تقع صيدلية القادسية لصاحبها يونس. لا تحتوي هذه الصيدلية فقط على أدوية ومعدات ولوازم طبية، إذ يمكن أن يشاهد الزبائن داخلها مجموعة من الطوابع البريدية القديمة التي يعود بعضها إلى ما قبل 120 عاماً، وأحدثها طوابع عربية من عام 2014.
تجلب مجموعة الطوابع سعادة كبيرة ليونس، وتجعله يعتز بامتلاكها ويشعر براحة وجودها في الصيدلية، ويقول: "صنعت بنفسي 25 ألبوماً لأضع الطوابع داخلها، وتحتوي على عشرات آلاف الطوابع البريدية التي جمعتها على امتداد أكثر من 60 عاماً من حياتي، وتشمل أكثر من 150 دولة في العالم، وكذلك مجموعات لمعظم الدول العربية بعضها تمثل مراحلها الانتقالية من الحكم الملكي إلى الاتحادي، ثم تحوّلها إلى جمهوريات".
تقاعَد يونس عن العمل عام 2005، حين شغل في الـ57 من العمر آخر منصب له كمدير لمكتب شؤون الأدوية في وزارة الصحة بمنطقة رفح. وأراد التفرغ لأسرته وصيدليته والعودة إلى الاهتمام بالطوابع وترتيبها وتصنيفها مجدداً، بعدما انشغل عنها خلال عمله الرسمي.
يقول لـ "العربي الجديد": "عشقت منذ المرحلة الدراسية الابتدائية الرسم والخط والأمور الفنية، ما أعطاني دفعة للاهتمام بالطوابع التي أعتبرها لوحات أحصل من خلالها على أفكار فنية، كما أرى فيها مدخلاً للتاريخ والآثار وللتعرف إلى شخصيات سياسية بارزة وأخرى صنعت إنجازات في حقول مختلفة. ومجرد النظر إلى الطوابع كان يقودني إلى البحث عن فن وثقافة وتاريخ كل دولة".
ويشير يونس إلى أن طوابع البريد لم تدخل قطاع غزة منذ عام 2007، بسبب الظروف السياسية والحصار الإسرائيلي. ويروي أن الغزيين كانوا يتلقون قبل عام 1967 البريد عبر مكاتب منتشرة في المحافظات الخمس للقطاع حين كان يخضع لوصاية مصر. وجمع في تلك الفترة مئات من الطوابع من رسائل تلقاها أقاربه، ومن نقاط للبقالة أو ساعي البريد.
وفي مطلع السبعينيات، حصل يونس على منحة للدراسة في جامعة الإسكندرية بمصر، لكنه لم يترك حبه لجمع الطوابع رغم انشغاله بالتركيبات الكيميائية وصناعة الأدوية وعالمها، إذ بدأ بعد عامين في البحث عن مصادر للطوابع البريدية بعدما أخبره صديق مصري بقدوم باخرة بداخلها أدوات قديمة (أنتيكا) قد يكون بينها طوابع بريدية قديمة، فقصدها في اليوم التالي، واشترى مئات الطوابع بمبلغ المصروف القليل للمنحة الشهرية التي يحصل عليها. ثم دفعته هذه الخطوة إلى جمع المزيد فكان يطلب من صديق كويتي يدرس معه إحضار طوابع من بلده، وكذلك من أصدقاء آخرين من جنسيات مختلفة. وحين ذهب في رحلة حج الى السعودية جمع طوابع بريدية، كما كانت بناته اللواتي تزوجن في ألمانيا ومصر يرسلن له طوابع مع الهدايا.
يملك يونس طوابع عمرها 120 عاماً، وأخرى تتضمن رموزاً مميزة، مثل طابع بريطاني عليه صورة للملكة إليزابيث الثانية حين تزوجت من الأمير فيليب عام 1947، وآخر يعود إلى عام 1945 عليه صورة خامس حكام مصر، الخديوي إسماعيل، وواحد لملكة جمال الكون اللبنانية جورجينا رزق صدر عام 1971، وأيضاً طوابع بريدية فلسطينية في زمن الانتداب البريطاني قبل عام 1948.
ويخبر أنه جمع طوابع منذ عام 1962، وأنه ينظر إليها اليوم باعتبارها "رسولاً من بلده إلى بلد آخر يحمل معه ثقافة هذا البلد". يضيف: "كان شبان كُثر يفكرون في شراء ممتلكات ومقتنيات غالية الثمن، لكنني بحثت عن الطوابع المليئة بالثقافة والاطلاع على التاريخ وحضارة الدول، والرموز التاريخية، وأكسبني ذلك متعة كبيرة".
واستطاع يونس أيضاً جمع طوابع بريدية خلال فترة حكم السلطة لقطاع غزة بين عامي 1994 و2007، قبل أن يزول البريد الرسمي في قطاع غزة بعد أحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007، ويُحصر في طرود يرسلها البريد الإسرائيلي بعد فحصها باستخدام أجهزة متطورة.