الصين: هذه تداعيات الحجر الصحي لكورونا

29 اغسطس 2021
سكان ووهان ما زالوا في "سجن كورونا" (Getty)
+ الخط -

 

بعد ظهور فيروس كورونا الجديد في الصين وتحديداً في مدينة ووهان نهاية عام 2019، والتي اعتبرت لاحقاً بؤرة تفشي الوباء في العالم، فرضت السلطات الصينية حجراً صحياً إلزامياً على 60 مليون شخص في مقاطعة هوبي، استمر أكثر من شهرين. وطاول الحجر مدناً ومقاطعات أخرى بالتزامن مع تطور الإصابات ومعدل انتشارها في البلاد. ورغم مرور أكثر من عام على هذه الإجراءات، انطلق نقاش في الصين أخيراً حول التداعيات والآثار الجانبية للحجر على الصحة العقلية والنفسية للسكان، خصوصاً الأطفال، علماً أن نسبة العائلات التي تتردد على العيادات النفسية لمعالجة أبنائها زادت في الفترة الأخيرة. 

يقول متخصصون نفسيون إن "الحجر مرتبط بعواقب نفسية واجتماعية سلبية قد تظهر على المدى البعيد. وقد أطلقت مؤسسات حكومية وخاصة برامج للتأهيل النفسي للأطفال، إثر ظهور حالات نفسية سيئة لدى طلاب كُثر بعد استئناف الدراسة".

منذ ثلاثة أشهر، يصطحب لينغ داو، كلّ يوم خميس، ابنه الوحيد البالغ 13 عاماً، إلى مركز للتأهيل النفسي في مدينة ووهان، حيث يخضع لجلسات مكثفة تمتد كل واحدة لساعتين، من أجل التخلص من الآثار النفسية التي لحقت بابنه أثناء فترة الحجر الصحي. يقول لينغ داو لـ"العربي الجديد": "عانى ابني من اضطرابات نفسية مزمنة. ولاحظنا منذ مطلع إبريل/ نيسان الماضي أن تصرفاته تغيّرت، وأن سلوكه بات أكثر عدوانية تجاه الآخرين. ثم نبهتنا مدرسته إلى تدهور حالته النفسية، وأبلغتنا أنها لم تعد قادرة على استقباله بسبب اعتدائه المتكرر على زملائه". يتابع لينغ داو: "توجهنا فوراً إلى مركز للتأهيل النفسي، لكن الضغط في المواعيد جعلنا نقابل الطبيب بعد شهر. ومنذ ذلك الحين، يتلقى ابني جلسات تأهيل غير منتظمة، لذا نشعر بأن استجابته بطيئة، ويحتاج إلى مزيد من الوقت". ويكشف لينغ داو أن كلفة كل جلسة تناهز 1500 يوان (250 دولاراً أميركياً) "ما يعني أنني أنفق شهرياً 6 آلاف يوان (922 دولاراً)، وهي نصف قيمة راتبي الشهري، لكنني مستعد لإنفاقه كله من أجل علاج ابني وإعادته إلى المدرسة". ولينغ واحد بين مئات الآباء وأولياء الأمور الذين يرافقون أبناءهم إلى مراكز للتأهيل النفسي في ووهان، بعد مرور أكثر من عام على ظهور فيروس كورونا الجديد في المدينة. وأبدى عدد كبير منهم استياءهم من إجراءات الحجر الصحي التي خضع لها السكان بلا مراعاة لظروفهم النفسية والصحية، معتبرين أنها "كانت غير إنسانية وغير أخلاقية".

وحول آثار وتداعيات الحجر الإلزامي على الصحة النفسية، توضح المتخصصة في التأهيل النفسي لورا شانغ، لـ"العربي الجديد"، أن "الحجر الذي لا يأخذ في الاعتبار الحالة الصحية أو المرضية للشخص المحجور، لا تختلف عواقبه النفسية عن عقوبة السجن، حيث يعاني المعتقلون من اضطرابات عقلية وحالات اكتئاب وأمراض مزمنة قد تقودهم إلى الانتحار". وتشير إلى أن "الحجر الصحي الذي خضع له سكان ووهان واستمر شهرين، يعتبر أحد الأطول في التاريخ، وشمل أطفالاً ومسنين وأشخاصاً يعانون من أمراض مزمنة، ونساء حوامل، ومعوقين يحتاجون إلى رعاية ومتابعة صحية دورية". وتكشف شانغ أن أشخاصاً كُثراً يترددون على عيادتها يعانون من آثار نفسية وجسدية، مثل مشاكل في فقرات الظهر بسبب الجلوس فترات طويلة، وأوجاع في العضلات بسبب الخمول وعدم ممارسة أنشطة رياضية لمدة طويلة، وكذلك من الشعور بالخوف والقلق الدائم وعدم الثقة بالآخرين، ومن صعوبة الاندماج مجدداً في المجتمع.

وتلفت لورا شانغ إلى أن "افتقار إجراءات الحجر إلى الشفافية والوضوح خلق آثاراً نفسية واجتماعية سلبية. من هنا، كان يجب إطلاع الناس على أسباب الحجر وظروف فرضه، وإطلاعهم يومياً على أخبار ذات صلة، تبلغهم متى يمكن تخفيف الإجراءات، وكم ستستمر مدة الحجر، علماً أن البقاء الإلزامي في المنازل بلا فهم لما يجري في الخارج يضع الناس في حالة نفسية سيئة تجعلهم يتمنون الموت، لأنهم يعتقدون حينها بأن الحياة شارفت على النهاية، ووصلت إلى محطتها الأخيرة".

الصورة
السباحة وسيلة للابتعاد عن الاضطرابات (Getty)
السباحة وسيلة للابتعاد عن الاضطرابات (Getty)

وكانت دراسة حديثة شملت 2500 شخص في مدينة ووهان، أظهرت أن نسبة 79 في المائة من المستفتين يعتقدون بأن إجراءات الحجر كانت غير إنسانية، ولم تراعِ ظروف الناس الصحية. كما اعتبر 67 في المائة منهم أن السلطات الصحية لم تقم بإعطاء معلومات كافية حول سبب ضرورة استمرار الحجر الصحي مدة شهرين، بينما أكدت نسبة 94 في المائة منهم أنهم لم يتلقوا أي استشارة أو دعم نفسي من الجهات المختصة أثناء فترة الحجر.

ويعتقد مراقبون بأنه "لا يمكن تبرير التدابير الصارمة، مثل إغلاق المدن والمقاطعات وفترات الحجر الصحي الطويلة، بأنها ضرورة لإنقاذ أرواح البشر على المدى القصير، بل يجب النظر في كيفية تنفيذ تدابير مماثلة بأقل قدر ممكن من القيود، من دون المسّ بالوضع الصحي والنفسي للسكان، لأن تداعيات ذلك ستظهر على المدى البعيد وستكون كلفتها باهظة جداً". ويعتبر هؤلاء أن "هناك حاجة ماسة لدمج القيم الأخلاقية في أي عملية صنع قرار تمس صحة المواطنين".

وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس قد صرح، في مارس/ آذار 2020، بأنّ على كل البلدان أن تحقق توازناً جيداً بين حماية الصحة ومنع الاضطرابات الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان أثناء تنفيذ إجراءات الوقاية من وباء كورونا.

المساهمون