الصين: سوق مزدهرة "لشراء وجوه جديدة"

15 مايو 2022
تريد الصينيات مظهراً أكثر جاذبية عبر عمليات التجميل (لان ليانشاو/ فرانس برس)
+ الخط -

يعتبر سوق جراحة التجميل في الصين الأكبر في العالم بإيرادات تجاوزت 30.5 مليار دولار العام الماضي، ومعدل نمو سنوي يبلغ 29 في المائة ويعتبر أعلى بكثير من متوسط النمو العالمي المحدد بـ 8.2 في المائة. ويتوقع خبراء أن تصل إيرادات عمليات التجميل في الصين إلى 48 مليار دولار بحلول عام 2023، علماً ان منصة "قنغ مي" الإلكترونية الأكبر في الصين لترويج جراحة التجميل على الإنترنت تتحدث عن إقبال 1.4 مليون شخص شهرياً على العمليات، فيما بلغ عددهم 36 مليوناً عام 2019. 
ويفضل خريجو المدارس الثانوية في الصين عادة الخضوع لعمليات تجميل قبل بدء تحصيلهم الجامعي، لاعتقادهم بأن هذا الأمر سيعزز فرصهم في العثور على شريك، ويجعلهم أكثر قبولاً لدى الآخرين. وتعتبر جراحة شق الجفن لتوسيع حجم العين أكثر العمليات شيوعاً، وهو ما يعزوه خبراء إلى محاولة التحرر من وصم العيون الآسيوية الضيّقة، والحصول على مظهر أكثر جاذبية، واكتساب مزيد من الثقة بالنفس، بينما يرى آخرون أن العمليات تشكل جسراً نحو الوظيفة، لأن بعض الشركات تضع حسن المظهر شرطاً أساساً للتوظيف خاصة بالنسبة إلى النساء.

قضايا وناس
التحديثات الحية

تقول شياو شين (22 عاماً)، الطالبة في جامعة بكين للدراسات الأجنبية، لـ"العربي الجديد": "أجريت العام الماضي عملية لشق الجفن، لأنني كنت أشعر بأن عيني صغيرتان جداً. وبعد الجراحة أخبرتني صديقة بأنني بت أشبه ممثلة صينية شهيرة، ما حفزني على إجراء جراحة أخرى في الأنف لجعله نحيفاً، فأصبحت أكثر شبهاً بنجمتي المفضلة". 
وتعتبر أن "عمليات التجميل ليست ترفاً بل ضرورة لمجاراة مجتمع ذكوري، لا مكان فيه لغير الجميلات. وملامحي الجديدة منحتني حضوراً قوياً وزادت صلابتي في مواجهة الصعوبات".
ويوضح متخصص الجراحة في مركز تشاويانغ الطبي بالعاصمة بكين، لو فونغ، في حديثه لـ"العربي الجديد" أن صناعة التجميل ازدهرت في الصين خلال العقد الماضي، وأن حوالي 95 في المائة من الأشخاص الذين خضعوا لعمليات التجميل في البلاد هم من النساء. 
ويشير إلى أن "معظم العمليات تُجرى لملامح الوجه باعتبارها أكثر أهمية بالنسبة إلى الشباب من مظهر الجسم، وجراحة الجفن هي الأبسط والأكثر شيوعاً بين الفتيات الأصغر سناً بكلفة 3000 يوان (500 دولار)". ويشرح أن "عدداً كبيراً من النساء يفضلن الحصول على عيون كبيرة وأنوف نحيفة تحاكي نموذج الجمال المستوحى من الأعمال السينمائية والثقافة الغربية".

صناعة التجميل مزدهرة في الصين (جوناثان ساروك/ Getty)
صناعة التجميل مزدهرة في الصين (جوناثان ساروك/ Getty)

وعن المواقف الأكثر غرابة التي واجهها أثناء عمله، يقول لو: "هناك فتيات لا يردن فقط تحسين مظهرهن، بل يرغبن في تغيير ملامحهن تماماً، باعتقادهن بأن جراحة التجميل مماثلة لبرنامج فوتوشوب. وتطلب بعضهن تدوير شكل الذقن، ووضع غمازتين على جانبي الفك، وتسأل أخريات عن إمكان نحت عظام الخد ليبدو الوجه نحيفاً، وتفاصيل وطلبات أخرى تبدو مثل من يريد أن يشتري وجهاً جديداً".
يضيف: "قبل عقد من الزمن كان يصعب العثور على صيني أجرى جراحة تجميلية فقد تعتبر ضرباً من الجنون، أما اليوم فالصورة معكوسة تماماً، إذ من النادر أن تقابل فتاة لم تجرِ عملية تجميل واحدة على الأقل".

مشكلة اجتماعية
من جهتها، ترى الباحثة الاجتماعية بمعهد غوانغ دونغ، تانغ لي، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "عمليات التجميل تعكس حالة نفسية عند جيل كامل، وتشير إلى مشكلة اجتماعية تتمثل في القلق من المظهر التي تشكل في جوهرها رد فعل على عدم قبول الذات، ومحاولة الاختباء خلف ملامح أخرى، وهو تصرف يشبه من يتخفّى خلف قناع".
وتعتبر أن "المجتمع الذكوري يتحمل جزءاً كبيراً من المشكلة، لأنه يحكم على المرأة غالباً من مظهرها، من دون أن يعير عقلها وذكاءها أي اهتمام، وهو ما يحدث في المؤسسات، حيث يفضل أرباب العمل الموظفة النحيفة وصاحبة القوام الممشوق بغض النظر عن قدراتها المهنية. وهذا ما شجع جيلاً كاملاً من الفتيات على إجراء جراحات تجميل من أجل تحسين فرصهن في الحياة".

وتقول تانغ إن "استمرار هذا الاتجاه سيساعد في تشويه القيم والمفاهيم على المدى البعيد، ويتسبب في أضرار نفسية كبيرة، لأن الحديث عن هذا الأمر يغفل عادة النسب الكبيرة من العمليات الفاشلة والتي تتسبب في عاهات مستديمة لأصحابها، وهو أمر يترتب عليه عواقب وخيمة مثل الاكتئاب، وأحياناً الانتحار. والإقبال على عمليات التجميل يمثل تجاوزاً لمعايير الجمال الآسيوية التي تدرج العيون الضيقة ضمن الملامح الأكثر جذباً. وأنا أقترح على الفتيات صغار السن استخدام مساحيق التجميل لتحسين مظهرهن بدلاً من الأدوات الحادة التي تعبث بوجوههن وتغيّرها".

المساهمون