مع اقتراب موعد انطلاق دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في العاصمة بكين في الرابع من فبراير/ شباط المقبل، تشدد الصين سياستها في تصفير أعداد الإصابات الجديدة بفيروس كورونا، التي تطرح أسئلة عدة عن نجاحها في محاصرة الوباء والسيطرة عليه في وقت قياسي. والأسبوع الماضي أخضعت السلطات الصحية جميع سكان مدينة شينزن لاختبارات الحمض النووي لدى رصد إصابة واحدة في منطقة لوخوا، واكتشفت إصابة واحدة إضافية، ما دفعها إلى عزل المنطقة عن محيطها، وتكرار الاختبارات بعد 72 ساعة، وصولاً إلى إعلان نجاح الإجراءات الاحترازية في منع انتشار الفيروس.
هذا الأمر بات يتكرر يومياً في معظم مناطق الصين التي يظهر فيها الفيروس. وتشمل الإجراءات التي تلي اكتشاف حالة إيجابية واحدة، إغلاق الحدود ووقف الرحلات الجوية من المدينة وإليها، وتلك للحافلات والقطارات السريعة. ومن أجل ضمان التزام السكان التعليمات، تربط هواتفهم الخلوية بتطبيق خاص بالرمز الصحي لمراقبة مدى استجابتهم للإجراءات المفروضة. كذلك تشترط المؤسسات الخاصة والحكومية إظهار الشيفرة الصحية (الكود) قبل دخولها، وهو ما تفعله المحال والمجمعات التجارية والجامعات والمدارس ورياض الأطفال.
وكانت النشرة الخاصة التي تصدرها اللجنة الوطنية للصحة في البلاد قد أظهرت إجراء سلطات مدينة جينجو، عاصمة مقاطعة خنان (شرق)، فحوص حمض نووي لجميع سكان المدينة الـ 12.6 مليوناً خلال ست ساعات فقط، أي بمعدل 2.1 مليون اختبار في الساعة، و35 ألف اختبار في الدقيقة، و583 اختباراً في الثانية الواحدة.
"صفر كوفيد"
حول طبيعة عمل السلطات الصحية في المناطق التي يظهر فيها الفيروس، وكيفية إخضاع ملايين السكان لاختبارات شاملة خلال وقت قصير، يقول الطبيب الصيني لو تشانغ، وهو عضو سابق في منظمة "أطباء بلاد حدود" لـ"العربي الجديد": "ما تفعله الصين أمر يثير الإعجاب على صعيد سرعة استجابة السلطات المحلية أو السكان لظهور إصابات جديدة". ويوضح أن قواعد الدخول الصارمة تختلف بين منطقة وأخرى، وتخضع لمتطلبات تطبيق سياسة صفر كوفيد، وأن السلطات تنفذ سلسلة إجراءات متكاملة تبدأ بتتبع كل اتصال وثيق مع أية حالة جديدة، ثم إجراء لجان شعبية اختبارات الحمض النووي الشاملة، في ظل الجاهزية الكاملة لعناصرها للعمل في أية لحظة". ويلفت إلى أن مهمات هذه اللجان تشمل إجراء أكبر عدد من الاختبارات في زمن قياسي للتأكد من عدم انتشار العدوى، وتشخيص الحالات المحتملة في وقت مبكر.
ويتابع: "ظهور إصابات جديدة على مدار يومين يستدعي، وفق سياسة صفر كوفيد، فرض حجر صحي على المنطقة. أما ارتفاع عدد الإصابات بسرعة، فيدفع السلطات الصحية إلى عزل المدينة بالكامل وإدراجها على قائمة المناطق الخطرة، ما يستوجب إخضاع الداخلين أو الخارجين منها لحجر الصحي لمدة أسبوعين.
والقاعدة العامة المتبعة في أنحاء البلاد تتمثل بتصنيف الأحياء التي تبلغ عن حالات إصابة بأنها متوسطة أو عالية الخطورة، بينما تُصنّف مناطق أخرى في ذات المدينة بأنها منخفضة المخاطر، ما يعني أن السكان يستطيعون تجنب القيود المشددة والحفاظ على مستوى معين من الحياة الطبيعية في أثناء تفشي المرض".
ترقب وحذر
من جهته، يقول الباحث الصيني في معهد الدراسات والعلوم الإنسانية بمقاطعة فوجيان، تشين يونغ، لـ "العربي الجديد"، إن "الصين شهدت منذ مطلع العام الحالي عودة ظهور متحوّرات دلتا وأوميكرون في مدن ومقاطعات عدة، بينها العاصمة بكين التي تستضيف دورة الألعاب الأولمبية الشتوية المقررة من 4 إلى 20 فبراير/ شباط المقبل، وتشهد انعقاد جلسات المجلس التشريعي السنوية في مارس/ آذار المقبل. وهذه الأسباب دفعت بكين إلى تشديد الإجراءات ورفعها إلى الحد الأقصى. وتماشياً مع سياسة صفر كوفيد المتمثلة بعدم التسامح مطلقاً مع أية حالة جديدة، ضاعفت السلطات المحلية قيود السفر، خصوصاً مع اقتراب عطلة رأس السنة الصينية الجديدة، خشية أن تسبب الرحلات الجماعية السنوية انتشار الفيروس، علماً أنه يتوقع أن يعود مئات الملايين من الصينيين إلى مدنهم وقراهم في أثناء العطلة، بحسب التقليد السنوي المتبع في المناسبة الأهم محلياً".
وأخيراً، صنّفت السلطات الصينية مدناً ومقاطعات عدة على قائمة المناطق الخطرة، بينها مدينة تيانجين (شمال) ومقاطعة خنان. وتتطلب العودة إلى مدن كبيرة مثل نان جينغ في مقاطعة جيانغ سو (شرق) إجراء اختبار الحمض النووي قبل 48 ساعة من مغادرة منطقة إلى أخرى، وآخر لدى الوصول. وأبلغت ثلاث مدن في مقاطعة قوانغدونغ (جنوب) عن حالات إيجابية جديدة بفيروس كورونا مع اقتراب حلول العام الصيني الجديد، ما دفع السلطات الصحية إلى إخضاع العائدين إلى هذه المدن لحجر الصحي لمدة أسبوعين، ما قد يدمر خطط لمّ شمل عائلات في أثناء العطلة السنوية.