حُرم العراقيون لسنوات من الصيد البري، إذ إنّ المناطق حيث اعتادوا ممارسة هوايتهم هذه كانت مستباحة من قبل تنظيم داعش. واليوم، بعد عودة هذه الممارسة، تُطلق تحذيرات من مخاطر محتملة ما زالت قائمة.
تعود الحياة تدريجياً إلى الصيد البري في المناطق الصحراوية والبوادي بالعراق، بعد نحو ثماني سنوات من المنع الأمني الذي فُرض على الصيادين في ما يخصّ التجوّل في المساحات الصحراوية، تحديداً في الأنبار (غرب) وبادية الموصل (شمال). والسبب في ذلك المنع هو العمليات العسكرية التي قادتها القوات العراقية وطيران التحالف الدولي ضدّ تنظيم داعش، والتي ما زالت مفاعيلها قائمة في الصحاري، إذ تتعرّض تلك المناطق إلى مداهمات وعمليات تفتيش مستمرّة. لكنّ الحيوانات البرية، من بينها الغزلان والأرانب والصقور، تكاثرت في هذه المدّة الزمنية، نظراً إلى غياب عمليات الصيد لسنوات.
وأخيراً، باشرت وحدات وقيادات العمليات العسكرية في المناطق التي تقع الصحاري عند أطرافها، من ضمنها نينوى والأنبار والمثنى (جنوب)، بحسب ما يفيد شيخ عشيرة الجغايفة في الأنبار عود الجغيفي، بـ"توفير تراخيص خاصة للصيادين تجيز لهم التجوّل في مناطق الحيوانات البرية، مع ضرورة الحذر من وجود أيّ مخابئ لعناصر من تنظيم داعش". يضيف الجغيفي لـ"العربي الجديد" أنّ "الصيد البري واجه معضلات أمنية كثيرة، ليس فقط بسبب احتلال تنظيم داعش بعض المحافظات العراقية، بل الأمر يمتدّ إلى زمن الاحتلال الأميركي للبلاد منذ عام 2003".
ويشير الجغيفي الذي يقصد الصحاري من أجل الصيد، إلى أنّه منذ البدء بمنح التراخيص، "سُجّلت طلعات صيد كثيرة في الأنبار وبقية المناطق الصحراوية وصولاً إلى الحدود العراقية السورية، ولم نشهد أيّ تعرّض لصيادين من قبل إرهابيين". ويتابع أنّ "ثمّة عناصر من تنظيم داعش لكنّ عددهم قليل جداً، علماً أنّ ثمّة تنسيقاً كبيراً بين الصيادين العراقيين جميعاً والقوات الأمنية، في حال حدوث أيّ هجوم إرهابي أو عملية تعرّض من هذا النوع". لكنّه يرى أنّ "الخطر غير مهمّ بطبيعة الحال، لأنّ العمليات العسكرية الأخيرة ساهمت في تراجع نشاط التنظيم الإرهابي بشكل كبير".
ويوضح الجغيفي أنّ "التراخيص الأمنية الخاصة بالصيادين العرب، تحديداً من دول الخليج العربي، قد تصدر في الفترة المقبلة، والتريّث فيها يأتي لدوافع أمنية ومن أجل سلامتهم وعدم تعرّضهم لأيّ مشكلات أمنية"، مشيراً إلى أنّ "التراخيص التي تمنحها السلطات الأمنية تتراوح مدّة صلاحيتها ما بين ثلاثة أشهر وستة".
من جهته، يقول ميثاق الحياني، صيّاد من محافظة الأنبار، لـ"العربي الجديد"، إنّ منع وصول الصيادين إلى المناطق الصحراوية خلال السنوات التي شهدت فيها البلاد حرباً ضدّ تنظيم داعش، "ساهم في زيادة غير مسبوقة في أعداد الحيوانات البرية، من بينها الصقور والغزلان وأخرى". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "صحراء الأنبار واسعة جداً، وهي اليوم آمنة للصيد، وقد وصلنا أخيراً إلى مناطق بعيدة منها الجزيرة، ولم نواجه فيها أيّ مشكلات أمنية".
ويلفت الحياني إلى أنّ "الصيد الذي يمارسه العراقيون لا يهدف عادة إلى البيع (ما اصطيد) أو التربّح، إنّما هو هواية نمارسها. لكنّ ثمّة صيادين عرباً يمارسون الصيد بهدف بيع الأنواع النادرة من الغزلان والصقور". ويوضح أنّ "موسم الصيد البري يبدأ في أكتوبر/تشرين الأول في العادة، غير أنّ الأسابيع الماضية شهدت طلعات إلى صحراء الرطبة والجزيرة، وفي الفترة المقبلة سوف تكون الوجهة صحاري محافظة المثنى".
ويستخدم الصيادون في العراق الأسلحة النارية، من بينها بندقية الصيد التقليدية وبندقية الشوزن، بالإضافة إلى الشباك والمصائد الحديدية. كذلك يلجأون إلى الصيد باستخدام الطيور الجارحة. ومن بين أكثر الحيوانات البرية المرغوبة من قبل الصيادين، الصقور مثل الصقر الحرّ وصقر الغزال وصقر الشاهين والصقر البربري، بالإضافة إلى الأفاعي مثل الأفعى قرنية الأنف وأفعى الرمل وأفعى الحراشف المنشارية، وكذلك الغزلان وأشهرها غزال الريم، إلى جانب الأرانب البرية، والجرابيع، والقطا الأحيمر والقطا العراقي أو النغاق، والحجل والقبج أو الشنار، والذئاب والثعالب (الحصني).
كذلك بدأت الخنازير البرية، في ديالى (شرق)، وتحديداً حوض العظيم ومناطق شرق بعقوبة، بالتكاثر، الأمر الذي يمثّل فرصة أخرى لمحبّي المغامرات الخطرة، إذ إنّ صيد هذا النوع من الخنازير ينطوي على مخاطر، وقد يؤدّي الفشل في التصويب عليه في مناطق محدّدة إلى مهاجمته الصيادين.
في سياق متصل، يفيد مدير ناحية جبة في الأنبار، قطري العبيدي، بأنّ "الصيد من أكثر الممارسات المشهورة في المناطق الغربية في العراق، وتمتدّ إلى الشمال حيث السهول الواسعة في نينوى، وإلى الجنوب حتى بادية السماوة، وعادة ما تكون في الأشهر الأخيرة من فصل الصيف الطويل في بلاد الرافدين. ويشارك فيها الصيادون المحليون وكذلك آخرون من خارج العراق ممّن يحصلون على تراخيص من السلطات العراقية ويتعهّدون بأنّهم لن يصطادوا أعداداً كبيرة من النوع نفسه، كي لا يؤثّر ذلك على التنوّع البيئي في المنطقة". ويلفت العبيدي لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "الصيادين كانوا ينتظرون في السنوات الماضية تحسّن الأوضاع الأمنية في معظم صحاري البلاد والمناطق الخالية التي استخدمتها التنظيمات الإرهابية، وقد تبدّلت الأوضاع حالياً وصار في إمكان الصيادين ممارسة هوايتهم".
يضيف العبيدي أنّ "القوات العراقية تغطّي معظم المناطق الفسيحة غربي البلاد، ولا مساحات خارج سيطرة الدولة، لكنّ هذا لا يعني عدم وجود إرهابيين يتحيّنون الفرص من أجل الإتيان بعمل إجرامي"، داعياً الصيادين إلى "عدم الابتعاد عن المناطق التي تغيب عنها القوات العراقية، وأن يبقوا على مساحة أمان منها، وألا يجعلوا من الحيوانات البرية أداة للمتاجرة، لأنّ في ذلك استغلالا للموارد الطبيعية، وأن تكون عمليات الصيد مراقبة من قبل لجان البيئة وجمعية الصيادين".
ويؤكد خطاب القيسي، العضو في جمعية الصيادين العراقيين لـ"العربي الجديد"، أنّ "الصيد في بادية المثنى وصحراء الأنبار عاد بشكل جيد، لكنّ الحذر ما زال قائماً في ما يتعلق باحتمال وقوع اعتداءات على الصيادين من قبل بعض الجماعات الإرهابية"، لافتاً إلى "مراقبة عملية وجادة من قبل الجمعية بالتنسيق مع السلطات الأمنية". ويرى أنّ "السلطات الصحية ووزارة الصحة والبيئة في حاجة إلى التنسيق أكثر مع الجمعية، للمساعدة في تنظيم الصيد وحصره بالأعضاء المجازين، ومحاربة الصيد الجائر الذي يعتمد على الشباك والمواد السامّة".
ويشدّد القيسي على أنّ "الجمعية تدعم الصيد في أوقات محددة فقط، وهي نهاية موسم التكاثر، وليس في كلّ فصول السنة. كذلك، فإنّها لا تقبل بصيد الحيوانات المهدّدة بالانقراض، لأنّ في ذلك تهديدا للثروة الوطنية، بالإضافة إلى التنسيق في مجال تنظيم الرحلات والسفر إلى المناطق، حيث يوجد صيادون لإشاعة ثقافة الصيد المشروع"، مشيراً إلى أهمية أن "يلتزم الصيادون العرب والأجانب بتعليمات الجمعية".