حرص الشهيد الفلسطيني بدر مصلح على التغلب على كونه كفيفاً عبر رعاية أطفاله الثلاثة، والاهتمام بغيره من الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة، وكان محبوباً في مخيم النصيرات، حيث ينشط في حملات التوعية بحقوق الإنسان الأساسية، وفي الحملات الوطنية، لكن الاحتلال الإسرائيلي قتله في قصف دمر منطقته في السابع من ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ودّع الغزيون الشهيد مصلح بحزن، فقد ترك للجميع ذكريات جميلة، إذ كان يحب المُزاح، ومن مقولاته الرائجة: "الرسالة لا تقيد بوطن أو لون، أو جنس أو دين. ولدت بإعاقة بصرية، وفقدت بصري بالكامل، لكني تابعت حياتي، وأصررت على متابعة دروسي، ودخول الجامعة برفقة من هم بلا إعاقة".
استشهد مصلح حين كان يبلغ من العمر 39 سنة، وقد درس التاريخ والآثار الإسلامية في الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، وحصل على شهادة البكالوريوس ضمن أوائل الأشخاص ذوي الإعاقة البصرية الذين يحصلون على تلك الشهادة في قطاع غزة.
يقول شقيقه أحمد مصلح: "ترك بدر لنا أطفاله الثلاثة، طيبة (10 سنوات)، وصلاح الدين (7 سنوات)، وكريم عمره سنتان ونصف. أتذكر لحظات استشهاده، والتي لم يتخل فيها عن فكاهته المعهودة، وشهر استشهاده كان يوافق ذكرى استشهاد شقيقنا محمد، وكذا ذكرى زواجه وميلاد ابنته، وكان ينتظر نهاية العدوان كي يحتفل بتلك المناسبات".
يضيف أحمد لـ"العربي الجديد": "في يوم استشهاده، صلينا الفجر في المنزل جماعة، وكان هو الإمام، وكنا نصلي في البيت خشية الصلاة في المسجد الذي كان يعتبره بدر مصدر راحة يومية، مع العلم أنه كان يحافظ على صلاة الفجر في جماعة بالمسجد منذ بداية الحرب، لكن الخوف من استهداف المساجد جعلنا نتوقف عن ذلك، وظهر يوم استشهاده وكان يقول إنه مشتاق للمسجد كثيراً".
يتابع: "كان شقيقي ضحية عدم تطبيق قوانين العمل الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع غزة، إذ كان يحلم بأن يكون مدرساً لمادة التاريخ، ورغم محاولاته الحصول على وظيفة كمعلم، كانت وزارة التربية تتجاهل تطبيق القوانين التي تمنح ذوي الإعاقة البصرية حق العمل كمدرسين، لكنه كان يذهب إلى المدارس لإعطاء جلسات تثقيفية للتلاميذ حول حقوق ذوي الإعاقة ضمن حملات مجتمعية عديدة".
كان الشهيد مصلح عضواً في الجمعية العمومية للتأهيل الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة، ومسؤول اللجنة التوجيهية بها، ومدربا لأصحاب الهمم، وقد عمل بدر في عدد من المشاريع المجتمعية، من بينها مشاريع داعمة لحقوق ذوي الإعاقة، وشارك في الضغط على المؤسسات الرسمية والخاصة من أجل تفعيل القوانين التي تتيح لذوي الإعاقة المشاركة السياسية، والانخراط في العمل، وكان عضواً بارزاً في الاتحاد الفلسطيني للمعاقين، ومدرباً في حملات الضغط والمناصرة في قضايا ذوي الإعاقة.
وتقول حنين السماك، التي رافقته في كثير من حملات ذوي الإعاقة: "لم يكن بدر مجرد ناشط حقوقي داعم لذوي الإعاقة، بل كان يشارك في الحملات الوطنية، والحملات القانونية من أجل المطالبة بالمساواة للفئات المهمشة والمستضعفة، وكان يطلب من أصدقائه ومن يشاركونه العمل أن يلتقطوا له الكثير من الصور، ويقول: لا تقلقوا، أنا سأعرف الصور الجيدة من غير الجيدة. كوني لا أرى لا يعني أنني لا أعرف التمييز".
تضيف السماك لـ"العربي الجديد": "أعمل في مجال ذوي الإعاقة منذ أكثر من 20 عاماً في قطاع غزة، وعملت برفقة مصلح في الكثير من المشاريع المجتمعية وحملات المناصرة، وقد كان من أبرز المشاركين في حملة (بكرة أحلى) التي تدعم مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة مجتمعياً، وكان الناطق الإعلامي باسمها، ومسؤول المنطقة الوسطى في القطاع. كان بدر داعماً كبيراً، ولم نشعر يوماً بأن إعاقته البصرية تمنعه من العمل، وكان أحياناً يمازحني قائلاً إنه يريد قيادة سيارتي، وقد كان لي تواصل أسبوعي معه، ولقاء لمناقشة القضايا المهمة على الساحة، وكيفية توفير الدعم النفسي لذوي الإعاقة، والتخطيط للحملات المستقبلية".
تتابع: "أكثر تحدٍ خاضه مصلح في السنوات الأخيرة كان التواصل مع الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية، لكنه نجح في ذلك عن طريق اللمس، وحاول تعلم بعض أساسيات لغة الإشارة لبدء حوار مبسط مع ذوي الإعاقة السمعية مع الناشط محمود أبو ناموس. عشرات الأشخاص ذوي الإعاقة، وبعض الفاعلين والناشطين استشهدوا خلال العدوان الإسرائيلي، وانقطع التواصل مع عديدين خلال الأشهر الأخيرة، وأتوقع أن العدوان سيخلف عدداً كبيراً من الأشخاص ذوي الإعاقة الجدد في قطاع غزة".