في الوقت الذي ما زال فيه الحزن والكمد يسودان منزل الشهيد أحمد حسن كحلة بقرية رمون، وسط الضفة الغربية المحتلة، روى شاهد العيان ماهر شفيق لـ"العربي الجديد" تفاصيل إعدام قوات الاحتلال الإسرائيلي الشهيد دون أي مبرّر.
أحمد كحلة يبلغ من العمر 45 عاماً، ولديه من الأبناء اثنان من الذكور وثلاث بنات، أكبرهم قصي (20 عاما) الذي كان يرافقه إلى مكان ورشة عمل في قطاع البناء في بلدة دير السودان، شمال غرب رام الله، للسعي وراء رزقه في حرفة "تكحيل الحجر".
ويأتي استشهاد كحلة بعد خمسة وأربعين يوماً من توثيق فلسطينيين من بلدة حوارة جنوب نابلس شمالي الضفة الغربية، بكاميرات هواتفهم، إعدام الشهيد عمار مفلح (23 عاما)، وهو يدافع عن نفسه أعزل.
ووثّقت كاميرا هاتف فلسطيني آخر؛ إعدام أحمد كَحَلة الأحد الماضي، في حادثة مشابهة، وإن كان الفيديو الذي تداوله الفلسطينيون هذه المرة أقل وضوحاً ربما لارتباك مصوره، لكن عملية الإعدام وما رواه شاهد عيان لـ"العربي الجديد" يوثقان المشهد بالكامل.
قنبلة صوتية وإطلاق نار
وصل شاهد العيان ماهر شفيق من بلدة يبرود، كما يروي لـ"العربي الجديد"، إلى المدخل الغربي لبلدة سلواد المجاورة، شمال شرق رام الله، والذي يفصل البلدتين، عند الساعة 8:45 من صباح الأحد 15 يناير/كانون الثاني الجاري، وجد هناك أزمة مركبات تسبب بها ما يسميه الفلسطينيون بالحاجز الطيار، وهو الحاجز العسكري الإسرائيلي الفجائي غير الدائم.
يقول شفيق: "بدأ السائقون إطلاق أبواق مركباتهم احتجاجا، فاستفز ذلك جنود الاحتلال، ليلقوا بقنبلة صوتية وصلت إلى مركبة كحلة، الذي بدأ يصيح بجنود الاحتلال، فهاجموه وابنه بالاعتداء بالضرب ورشّ غاز الفلفل، ليترجل كحلة محتجا، ويدافع عن نفسه، ويتحول المشهد إلى عراك بينه وبين جنود الاحتلال بالأيدي".
لم يستمر المشهد، بحسب شفيق، أكثر من دقيقة، حيث أطلق الجنود النار من مسافة صفر، فأردوه شهيداً، وأغلقوا الشارع إثر ذلك، ومنعوا الجميع من المرور.
استهداف واضح
وينفي شفيق أية روايات إسرائيلية تدّعي حمل كحلة سكيناً، وهو ما يؤكده الفيديو الذي تداوله الفلسطينيون على مواقع التواصل، والذي يظهر الثواني الأخيرة من اعتداء الجنود على كحلة ودفاعه عن نفسه وإطلاق النار.
كذلك، يؤكد ضابط الإسعاف في مركز إسعاف سلواد عاهد سميرات، لـ"العربي الجديد"، أنه وصل إلى المكان بعد تلقي نبأ إطلاق النار، إذ سمح له الجنود بالوصول إلى كحلة على غير العادة في الأحداث الأمنية المشابهة، ليجد جهاز قياس نبضات القلب الذي وضعه الجنود بلا أي استجابة.
ويوضح سميرات أنه لم ير في مسرح الحدث أية آلة حادة، ويضيف: "لو كان فعلا قام بعملية طعن، ولو كان حدثا أمنيا، لما سلمونا الجثمان بعد قتله".
ويضيف سميرات أن نجل الشهيد كان محتجزا على جانب الطريق، يستغيث بالمسعفين، إذ كان قد أصيب برذاذ الفلفل في وجهه، لكن جنود الاحتلال منعوا المسعفين حتى من التحدث إليه، وسمحوا فقط بنقل جثمان والده، ليفرج جنود الاحتلال لاحقا عن قصي وينقل إلى مركز سلواد الطبي ويقدم له العلاج.
سعي يومي للقمة العيش
وفي الصباح الباكر من كل يوم، يخرج أحمد إلى عمله، كما يقول شقيقه عماد لـ"العربي الجديد"، وهذه الأيام يعمل بورشة في بلدة دير السودان، "حياته كانت حلوة، لا يمكن أن تجد إنسانا يتحدث عنه بسوء".
ويضيف عماد: "شقيقي ربى أبناءه بتعب وكفاح في الحياة، لا لقمة عيش هنية في فلسطين، منذ ثماني سنوات ترك العمل كهربائياً، وامتهن تكحيل الحجر، ومنذ أنهى ابنه الثانوية العامة قبل عامين وبعدها دورة في دهان وتجليس المركبات، أصبح رفيقه في تكحيل الحجر".
أما شقيقته إيمان فتقول لـ"العربي الجديد" وهي تبكي: "أحمد هو المعيل الوحيد لأسرته، فابنه الأكبر قصي الذي كان يرافقه كان يعاونه بعمله، وله ابنة ما تزال في مرحلة الثانوية العامة، والباقون صغار".
أما ابنه قصي الذي يجد صعوبة في الحديث فأكد أنه بعد أن أُطلقت باتجاه المركبة قنبلة صوت، وبعد رش غاز الفلفل عليه، أبعده الجنود، ولم ير ما حل بوالده الذي ودعه للمرة الأخيرة في باحة منزله.
وشيّع الفلسطينيون، الأحد الماضي، أحمد كحلة في مسقط رأسه بقرية رمون شرق رام الله، وسط أجواء من الحزن على مشهد إعدام بات يستسهله جنود الاحتلال الإسرائيلي.