الشهادات الجامعية الأجنبية لم تعد امتيازاً في الصين

17 ديسمبر 2021
يبحثان عن وظيفة في الصين (زانغ جيغانغ/ Getty)
+ الخط -

في ظلّ تفشي جائحة كورونا، اضطرّ عدد كبير من الخريجين الصينيين الذين درسوا في الخارج إلى العودة لبلادهم التي قطعت شوطاً كبيراً في مكافحة الوباء، ما جعلها وجهة مفضلة لهم بالمقارنة مع دول أخرى ما تزال ترزح تحت تهديد كوفيد-19 في ظل ارتفاع أعداد الإصابات الجديدة بالفيروس. ولدى عودتهم، تفاجأ هؤلاء بأن الشهادات التي يحملونها لم تعد تؤهلهم للحصول على وظيفة، ولم تعد امتيازاً يفضلهم عن الخريجين المحليين الذين يصل عددهم إلى ثمانية ملايين خريج سنوياً. هذا الأمر فتح نقاشاً ساخناً على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية، وتباينت الآراء بين من يرى أن الجامعات الصينية تجاوزت في التصنيف العالمي عدداً كبيراً من الجامعات المرموقة. وبالتالي، فإن ذلك أفقد الشهادات الجامعية الأجنبية ميزتها التنافسية، بينما يرى آخرون أن سوق العمل يفضل الخريجين الذين لديهم مؤهلات محلية، على الرغم من استمرار عقلية "جودة التعليم الغربي أفضل" في أجزاء معينة من المجتمع الصيني.
وبحسب منصة "جاو بين" الإلكترونية المتخصصة في تقديم خدمات التوظيف للخريجين، فإن أكثر من 85 ألف خريج يحملون شهادات أجنبية، دخلوا إلى المنصة منذ مطلع العام الحالي لتعبئة استمارات التوظيف. وأشارت المنصة الأشهر في الصين إلى أن 42 في المائة من المتقدمين عادوا من الولايات المتحدة حديثاً. وكان العدد الإجمالي للطلاب الصينيين الذين درسوا في الخارج قد تجاوز سبعمائة ألف طالب في عام 2019، من بينهم 360 ألف طالب يدرسون في الولايات المتحدة، و100 ألف طالب يدرسون في الجامعات البريطانية.
يقول ما جينغ شو، وهو خريج صيني يقيم في العاصمة بكين لـ "العربي الجديد": "عدت إلى بلدي في أواخر العام الماضي قادماً من الولايات المتحدة، حيث تخرجت حديثاً في جامعة ميامي، وحصلت على درجة الدكتوراه في الحقوق، وقد تزامن تخرجي مع انتشار كورونا في الأراضي الأميركية بشكل مرعب، في وقت كانت الصين قد نجحت في السيطرة على الفيروس. لذلك، قررت العودة من أجل البقاء في مكان آمن، والعمل والاستقرار في وطني". يضيف: "بعد أشهر من وصولي، تفاجأت بصعوبة الحصول على وظيفة على الرغم من أنني أحمل شهادة عليا من واحدة من أعرق الجامعات الأميركية". ويشرح ما جينغ شو أنه حين قدم أوراقه إلى مكاتب التوظيف، كان يتوقع أن يتم الاتصال به في اليوم التالي ليباشر العمل، لكنه بقي ينتظر حتى هذه اللحظة، مشيراً إلى أن معظم الدوائر تفضل خريجي الجامعات الوطنية.

قضايا وناس
التحديثات الحية

يضيف: "عندئذ شعرت بأن دراستي في الخارج لم تكن امتيازاً لأن المنافسة هنا شديدة. الكثير من الطلبة يحملون درجات عليا من جامعات محلية مصنفة ضمن الأفضل على مستوى العالم".

وفي ختام حديثه، قال الطالب الصيني إنه فكر في لحظة يأس بالعودة إلى الولايات المتحدة، لكن التوترات الأخيرة بين بكين وواشنطن، واستهداف العديد من الطلبة الصينيين الذين يدرسون في الجامعات الأميركية بذريعة التجسس لصالح الجيش الصيني، إلى جانب تشديد الرقابة عليهم، وعدم تجديد إقاماتهم، جعله يصرف النظر عن الفكرة.

الصين (دونخو فانغ/ Getty)
في إحدى الجامعات الصينية (دونخو فانغ/ Getty)

حول واقع الخريجين العائدين، وأسباب استبعادهم من سوق العمل، يقول عميد كلية الاقتصاد السابق في جامعة جينان، دونغ يي، متحدثاً لـ "العربي الجديد" إن "المشكلة الأساسية ليست في نوعية الشهادات ومستوى الجامعات، بقدر ما لها علاقة بطفرة الخريجين. لدينا سنوياً ما لا يقل عن 8 ملايين خريج، وأسواق  العمل لا تستطيع أن تستقبل هذا الكم الهائل. أضف إلى ذلك أن الخريجين العائدين الذين قضوا أربع أو ست سنوات في الخارج يحتاجون إلى مزيد من الوقت من أجل التأقلم مع بيئة العمل الصينية، فضلاً عن الأفكار والثقافة التي يعودون بها والتي قد لا تتفق مع السائد في الصين. من هنا، قد تتولد خشية من صدام محتمل مع أرباب العمل. لذلك، يجد كثيرون أنفسهم على الهامش، حتى لو كانوا يحملون شهادات عليا من جامعات مرموقة".
إلى ذلك، يقول دونغ يي إنه بحسب أرقام صادرة عن وزارة التربية والتعليم، فإن أكثر من 40 مليون طالب تخرجوا من جامعات وكليات صينية خلال السنوات الخمس الماضية، وأن 77 في المائة منهم فقط وجدوا وظائف بعد التخرّج، بينما ظل أكثر من ثلاثين في المائة منهم عاطلين عن العمل، لافتاً إلى أن الصين تعاني من أزمة حقيقية في مسألة توظيف واستيعاب الخريجين الجدد، لا علاقة لها بنوعية الشهادات والجامعات سواء كانت وطنية أو أجنبية.

وكانت دراسة محلية أجريت في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي قد أظهرت أن أرباب العمل في الصين يفضلون الشهادات الوطنية على نظيرتها الأجنبية. وكشفت الدراسة التي أعدها مركز "هونغ شيه" المتخصص في متابعة شؤون الخريجين أن غالبية منصات التوظيف الإلكترونية تخصص خانة للإجابة على سؤال عن الدولة التي تخرّج الطالب فيها، وأن نسبة توظيف من تلقوا تعليماً في الجامعات الوطنية بلغت 78 في المائة، بينما لم تتجاوز نسبة توظيف الذين درسوا في الخارج 12 في المائة. يُشار إلى أن 12 مؤسسة أكاديمية صينية مصنفة ضمن قائمة عالمية تضم أفضل مائة جامعة، كما تم تصنيف جامعتين صينيتين هما جامعتا تسينغهوا وبكين، ضمن أفضل 25 جامعة على مستوى العالم، بحسب التصنيف العالمي لمؤسسة "تايمز" للتعليم العالي.

المساهمون