السويد: محاربة قتل النساء دونها عقبات

24 يوليو 2022
+ الخط -

تعاني السويد من زيادة نوعين من العنف المميت، يرتبط أولهما بأسلحة عصابات الجريمة المنظمة، والثاني بقتل النساء. وتشير أرقام إلى أن امرأة من كل أربع تتعرض لعنف، وشهد عام 2021 تسجيل 34 ألف قضية عنف ضد النساء. ويورد تقرير حديث أصدره مجلس منع الجريمة السويدي (برو) أن "الرغبة في وقف العنف المميت ضد النساء دونها عقبات كثيرة، وبينها تدني التنسيق ونقص الموارد"، ويقدم صورة قاتمة عن واقع العنف والجرائم في البلد، علماً أن الشرطة الوطنية أعلنت في تقرير أصدرته في 22 يونيو/ حزيران الماضي، أن 16 امرأة قتلن العام الماضي 2021 على يد شركاء حياتهن، بزيادة حالتين عن عام 2020. كذلك قتلت النساء 3 رجال. في ربيع عام 2021، قدمت الحكومة السويدية برنامجاً يتضمن 40 نقطة يستهدف وقف عنف الرجال ضد النساء، ثم وُسِّع البرنامج إلى 99 بنداً وإجراءً مطلع العام الحالي. 

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

وفي يونيو/ حزيران الماضي، خطت استوكهولم خطوة إضافية عبر تبني حزمة أخرى من التدابير، وبينها زيادة موارد مكافحة استمرار العنف. وكانت الشرطة الوطنية في استوكهولم قد أعلنت عام 2019 بدء إجراءات لمواجهة تفاقم العنف وقتل الأزواج والشركاء للنساء، بالتزامن مع ارتفاع عدد جرائم عصابات المخدرات وسوق البغاء في ضواحي المدن، وباتت أكثر استجابة لإرسال دوريات سريعة إلى عناوين سكنية يسمع فيها الجيران شجاراً عنيفاً بين الأزواج، لكن ذلك لم يكفِ لوقف العنف ضد الأطفال والنساء، وصولاً إلى القتل. ووجهت انتقادات كثيرة إلى الشرطة في شأن شكاوى العنف ضد النساء، ما دفع مسؤوليها إلى الاعتراف بوجود نظرة نمطية ذكورية لدى بعض رجالها، وبينهم قائد قسم الجريمة في المنطقة الجنوبية لاستوكهولم، مايكل يوهانسون، لكنه استدرك لاحقاً بأن "الحوادث الأخيرة أظهرت أن الشرطيين أصبحوا أكثر كفاءة، ورفعوا مستوى التحقيقات، والتعامل بجدية مع الادعاءات". وكانت الشرطة تدأب على الاستماع إلى النساء الضحايا، وتقدم لهنّ نصائح بترك الرجال العنيفين، وهو ما صنفته حملة "مي تو" (أنا أيضاً) المناهضة للتحرش الجنسي بأنه استمرار للمواقف الذكورية. لكن يوهانسون أكد أن "الشرطة عدّلت طريقتها من محاولة إقناع الضحية بترك مرتكب التعنيف، إلى التركيز على الجناة الذكور الذين يمارسون العنف الجسدي ضد النساء والأطفال داخل الأسرة، علماً أن هذا الأمر يحتاج أيضاً إلى تغيير في المواقف والأعراف، وتعزيز دعم الضحايا النساء". 
وتشير الشرطة السويدية إلى أن "غالبية حالات العنف الذكورية يمارسها أصحاب سوابق جنائية، لكن بعض المجرمين الذين قتلوا نساءً لم يملكوا سجلات سابقة لدينا". وتُعقّد العلاقات الحميمة بين الجاني والضحية هذا النوع من الجرائم التي تعترف السويد بزيادتها، لكن يبدو أن حزمة الحكومة لمنعها في الأسرة باتت تؤتي ثمارها على مستوى قرارات المحاكم، بعد تعديل قوانين الأخذ بشهادات الصغار. 
وتحاول السلطات أيضاً إصلاح الحلقة المفقودة في علاقة الإدارات الاجتماعية مع المحاكم والمجتمع المدني، إذ إن غياب التنسيق يزيد العنف، فيما تعتقد الشرطة أن إحداث فرق في الوقاية من الجرائم يتطلب الاستماع جيداً إلى وجهات نظر الفتيات والنساء، والأخذ بالاعتبار ملاحظات المسؤولين التربويين في المدارس في شأن تلميح الفتيات إلى وجود عنف خلف أسوار المنازل. وباتت المحاكم تجرّم من يعنّف النساء أمام الأطفال، لكن ذلك لا يمنع نشطاء من إضافة جريمة "انتهاك سلامة الطفل" بمشاهدته العنف المنزلي إلى قضايا العنف ضد النساء. 

تتعدد مظاهر العنف في السويد (جوناثان ناكستراند/ فرانس برس)
تتعدد مظاهر العنف في السويد (جوناثان ناكستراند/ فرانس برس)

"جرائم غيرة"
وتقول عالمة الاجتماع في وحدة التنمية الاجتماعية في مجلس إدارة مقاطعة استوكهولم، ماريا بيلينغر، إن "الاستراتيجية الوطنية لمكافحة العنف ضد النساء تتعلق بمفاهيم المساواة بين الجنسين، وتطالب بضرورة أن تنصب الجهود على إشاعة قيم المساواة لمنع العنف، علماً أن 26 بلدية في العاصمة استوكهولم تعانِ فعلاً من مشكلة عنف على أساس جندري". وفيما يبدو جلياً مواجهة السويد مشاكل في الأعراف الذكورية، وخصوصاً في صفوف مواطنين جدد من اللاجئين والمهاجرين، ترى خبيرة عنف العلاقات في مصلحة السجون والمراقبة السويدية، إلينور هاليبرو، أن البرامج الجديدة لمواجهة هذا العنف تشمل اليوم برامج تدريب للرجال المدانين بارتكاب جرائم ضد النساء في الأسر تعالج نوبات الغضب وعنف الغيرة الذي يودي بحياة النساء". وفيما توصف الجرائم التي يرتكبها أقارب وأزواج حاليون أو سابقون في صفوف الأقليات المهاجرة بأنها "جرائم شرف"، يصنف قتل شريكات سويديات بأنه "جريمة غيرة"، علماً أن "الغيرة" تتصدر دوافع القتل، إلى جانب معاناة الجناة من مشاكل نفسية وعصبية تجعلهم يظهرون العنف بمجرد شعورهم أن الشريكة قررت فسخ العلاقة. 
ويحصي المجلس السويدي لمنع الجريمة حصول 80 في المائة من جرائم العنف والقتل في منزل أحد الطرفين أو المسكن المشترك. ويلفت إلى أن القتل على يد شريك سابق أو حالي تسبقه فترة طويلة من العنف والتهديدات، ونصف الحالات يسبقها تلقي بلاغات عن العنف. ومنذ عام 2017، تحافظ السويد على رقم محدد بـ 15 "جريمة غيرة" سنوياً ضد النساء، و3 فقط ضد رجال. لكن العنف يشمل حالياً الأزواج الشباب، ما يقلق مجلس منع الجريمة الذي يلاحظ زيادة العنف والقتل في صفوف من هم دون 25 سنة، ويشدد في الوقت نفسه على الدور المهم الذي تؤديه المدارس لمنع العنف في علاقات الشركاء الشبان، وبينهم في أعمار مراهقة. 

وكان تقرير أصدره المجلس الاجتماعي السويدي مطلع العام الحالي، وشمل مراجعة 75 حالة عنف شهدت موت أطفال ونساء بسبب جرائم قد لاحظ وجود "30 ثغرة في شبكة الأمان الاجتماعي والاستجابة للعنف تشمل أيضاً الإدارة الاجتماعية والخدمة الصحية والشرطة والمدرسة، وأن ضحايا الجريمة والجناة كانوا على اتصال كثيف مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين، لكنهم لم يتلقوا الدعم الذي يحتاجونه". وتفيد السلطات الاجتماعية السويدية بأن "مرتكبي العنف المنزلي المميت في البلد يختلفون عن مرتكبي جرائم أخرى، فهم في المتوسط أكبر سناً من الضحايا، ويتمتعون بحياة أكثر استقراراً وغير عاطلين من العمل". وتشير دراسات أخرى إلى أن نحو نصف قاتلي النساء لم يسبق إدانتهم بجرائم، وأن ربع المجرمين فقط دونت أسماؤهم في السجلات الجنائية أو أدينوا بجرائم عنف سابقة. وقبل سنوات، تعاملت السويد بنهج متشدد حيال أقل مؤشر للعنف المنزلي، وبين تدابيره تخويل السلطات الاجتماعية نقل الصغار من منازلهم إلى أسر أخرى، وهو ما سبّب احتجاجات واسعة من مجتمعات أقليات اللاجئين مطلع عام 2020.

المساهمون