السويد: الطلاق "حياة جديدة" بعد سن الستين

12 ابريل 2023
يهتم السويديون بالثلث الأخير من الحياة (أوليفييه مورين/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يمكن ملاحظة شيء جديد لدى تتبع تسجيل السويد والدول الإسكندنافية مختلفة سنوياً عشرات آلاف حالات الطلاق بين المتزوجين منذ 10 سنوات أو أقل. لكن اللافت في ثقافة الطلاق المنتشرة في المجتمع السويدي تنامي ما يسمى "طلاق الشُيّاب"، أي الأشخاص من الجنسين الذين يتجاوزون سنّ الستين، رغم أنهم عاشوا عقوداً طويلة معاً، وتشاركوا كل شؤون الحياة وشجونها.

هذه الظاهرة التي يتابع تفاصيلها خبراء ومتخصصون في تطور المجتمع السويدي تتمثل بعيش واحد من كل خمسة أشخاص فوق الستين في حالة طلاق، وهي في ازدياد مستمر منذ عام 2003.
وبحسب أرقام هيئة الإحصاء السويدي، تضاعفت حالات الطلاق المسجلة بين كبار السن بين عامي 2000 و2020، خصوصاً لدى الفئة العمرية بين 60 و64 سنة. وهذه الأرقام لا تستثني وجود آلاف حالات الطلاق السنوية بين كبار السن الذين قد تصل أعمارهم إلى 85.
واللافت أن بعض "المطلقين الشُيّاب" الذين تناهز أعمارهم الـ69 عاشوا معاً 40 سنة أو أكثر، ومن هم أكبر سناً عاشوا معاً نصف قرن وأكثر، لكن ذلك لم يمنع انتهاء مطاف هؤلاء "الأجداد" بالاتفاق على الانفصال. ويصف البعض قراراتهم التي قد تكون مفاجئة للأبناء والأحفاد بأنها "حياة جديدة". 
وتكشف أرقام هيئة الإحصاء السويدي لعام 2020 أن نحو 2500 جد وجدة من المطلقين فوق الستين من العمر خاضوا تجارب زواج جديد، وأن 1500 حالة زواج جديد حصلت بين أشخاص في العقد السابع، كما هناك مئات من الحالات لمن هم في العقد الثامن.
وفيما يحاول باحثون ومتخصصون في تطورات المجتمع السويدي الذي يضم نحو 10 ملايين مواطن، إيجاد تفسيرات عن "طلاق الشُيّاب" الذي يطلق عليه أيضاً تسمية "الطلاق الرمادي"، يقول الباحث في علم الاجتماع بالجامعات السويدية بيورن بليدتغورد الذي أجرى سابقاً دراسة في شأن الظاهرة بالتعاون مع جامعة استوكهولم، وقابل مطلقين كباراً في السن: "تتعدد تفسيرات حالات الطلاق، وبينها أنه مع تقدم الطب، صار الناس يعيشون عمراً مديداً في صحة أفضل. كذلك تغيّرت نظرة المجتمع إلى الطلاق منذ سبعينيات القرن الماضي، من التعامل معه بأنه سلبي وغير مرغوب إلى تعايش الأجيال الجديدة معه بمرونة أكبر".

وجد بعض كبار السن في السويد الحب مرة ثانية (سيرغي غابون/ فرانس برس)
وجد بعض كبار السن في السويد الحب مرة ثانية (سيرغي غابون/ فرانس برس)

وفي شأن الأسباب المتعلقة بصحة الإنسان مع التقدم في العمر، وخصوصاً لدى من هم فوق الستين الذين يشعرون بأنهم في حالة شباب، لم تعد الرغبات المكتومة بالطلاق والخشية من العواقب تعوق توصل الطرفين إلى تفاهم على فسخ عقد البقاء معاً لبقية الحياة. وحدد باحثون في أقسام علوم الاجتماع بعض هذه الأسباب بناءً على مقابلات مباشرة شملت 37 حالة طلاق لأشخاص فوق الستين.
ويرى مطلقون أن "الثلث الأخير من العمر" يفرض عليهم التمتع بصحة جيدة، وتحقيق الأفضل لهم في ما بقي من حياتهم. ويشير بليدتغورد إلى أن "هؤلاء المطلقين يذكرون أن الصغار كبروا، واكتملت واجباتهم تجاههم، وباتوا يملكون مسؤولية تجاه أنفسهم كي يعيشوا مرحلة شيخوخة جيدة، علماً أن هؤلاء ينظرون إلى ما بقي من حياتهم بأنهم يملكون بين 10 و15 سنة من دون مواجهة اعتلالات صحية، وهذه فرصة لفسخ عقد الحياة مع الشركاء الذين اكتفوا بالعيش معهم طوال أربعة أو خمسة عقود". ويلفت إلى أن "المرأة تحديداً تريد أن تكون أكثر نشاطاً مما يريده شريكها الرجل بعدما أصبحت الدعوات إلى العشاء والأنشطة الاجتماعية الأخرى أقل بكثير من السابق".

استمرار شراكة كبار السن ليس حتمياً في السويد (دافيد ليدستروم/ Getty)
استمرار شراكة كبار السن ليس حتمياً في السويد (دافيد ليدستروم/ Getty)

وتكشف الأبحاث الميدانية الاجتماعية التي أجراها بليدتغورد وفريقه الجامعي أن "الأشخاص الذين لا يأخذون خيار الطلاق في سنّ متأخرة تصبح يومياتهم مليئة بالمرارة، ويشعرون بأنهم يسيرون بسرعة نحو الشيخوخة غير الجيدة، وبالتالي يصبح اختيارهم الانفصال أفضل بالنسبة إليهم من الشعورة بالمرارة والتعايش مع اختلافات مستمرة تعجل في بلوغ مرحلة الشيخوخة السيئة". 
ويرى هؤلاء الباحثون أن "الأرقام التي ترصد إقدام المطلقين بين 60 و85 سنة على الزواج مجدداً تشير إلى أن الطلاق من الشركاء السابقين لم يكن بسبب عدم رغبتهم في العيش مع أحد أو من أجل العزلة بحلول نهاية العمر، بل بسبب رغبتهم في تجديد حياتهم وقضاء شيخوخة أكثر نشاطاً". وهم يلفتون أيضاً إلى أن "بعض كبار السن الذين انفصلوا للعيش وحدهم وجدوا الحب مرة ثانية، لكن النساء الذين سبق أن عاشوا حياة زوجية طويلة الوقت كنّ أكثر تردداً في أن يصبحن شريكات مع أزواج جدد لأنهن لا يرغبن في المخاطرة بتحمل مسؤوليات رجال مرضى، بعدما تركن أزواجهن السابقين".

وعموماً، يولي سكان السويد، كما سائر سكان مجموعة دول الشمال التي تضم فنلندا والسويد والنرويج والدنمارك وأيسلندا، أهمية كبيرة لـ"العصر الثالث"، أي الثلث الأخير من الحياة الذي يتضمن التقاعد في منتصف سن الستين، حيث تقلّ أوقات قضاء الوقت خارج المنزل، ويتوقف الأشخاص عن ممارسة بعض الأنشطة. وينظر هؤلاء إلى ما بقي من حياتهم على أنه يجب أن يكون حياة سعيدة ونشطة لمنع حدوث تدهور واعتلال في الصحة والحالة النفسية.
وليس غريباً أن كبار السن، سواء من هم في علاقة زواج دائم وطويل أو مطلقون أو داخلون في زواج جديد، يبحثون عن أجواء تقاعد مختلف عن تلك في إسكندنافيا، لذا يسافر كثيرون إلى جنوب القارة، وتحديداً إلى إسبانيا، وبعضهم يسافر إلى تركيا واليونان حيث يشترون بمدخراتهم منازل في مناطق متوسطية مشمسة، ويعيشون أجواء تقاعد طالما حلموا بها. 
وفي مناطق الجنوب الإسباني (إقليم الأندلس) تنتشر فعلياً مجمعات سكنية تضم كباراً في السن من الدنمارك والسويد والنرويج، حيث يلتقون في أجواء لا يمكن أن يجدوها في دولهم الباردة والمظلمة في الشتاء.

المساهمون