رفعت الجامعات السودانية الحكومية، بصورة كبيرة، الرسوم الدراسية المتعلقة بالقبول الخاص بالكليات والأقسام المختلفة، ما أحبط أسراً كثيرة ومهتمين بالعملية التعليمية في البلاد
منذ سنوات، تسمح السلطات السودانية للجامعات بتخصيص نسبة من مقاعدها لقبول طلاب على نفقتهم الخاصة، بالعملة المحلية للسودانيين، وبالعملات الأجنبية للأجانب، على أن تستخدم الجامعات ما تجمعه في سدّ عجز موازنتها، إذ لا تتكفل الدولة إلاّ برواتب العاملين في الجامعات. هذا النقص في الموازنة وضع عبئاً على الجامعات بتحمّل مسؤولية التسيير اليومي وتوفير الاحتياجات الدراسية، مع مسؤولية التطوير والتوسع.
وبمرور السنوات، تمددت الجامعات في القبول على النفقة الخاصة على حساب القبول العام (المجاني)، لا سيما الكليات التطبيقية، مثل الطبّ والصيدلة وطبّ الأسنان والهندسة، ليصل مؤخراً إلى نحو 50 في المائة من المقاعد الجامعية. وقابلت ذلك أيضاً مضاعفة مستمرة في الرسوم المالية، التي تراوحت هذا العام في كليات الطب، على سبيل المثال، بين 500 ألف ومليون جنيه (ما بين 1325 و2650 دولاراً أميركياً) بينما تراوحت رسوم الكليات الأدبية بين 20 ألف جنيه (53 دولاراً) و100 ألف (264 دولاراً).
وخلقت تلك الزيادات التي تقول الجامعات إنّها منطقية في ظلّ الظروف الاقتصادية الحالية، جملة من التساؤلات والانتقادات وأثارت كثيراً من الغضب، خصوصاً للطلاب الناجحين في امتحانات هذا العام، وأولياء أمورهم. أبو زينب مثلاً، أحرزت ابنته في العام الدراسي الأخير، 93 في المائة في امتحانات الشهادة الثانوية، لكن بعد التقدم إلى الجامعة لم تُقبل في كلية الطبّ التي ترغب فيها منذ صغرها بتشجيع من الأسرة. يوضح أبو زينب لـ"العربي الجديد" أنّ عدداً من مقاعد كليات الطب تُركت لمن يدفع أكثر من بين الأغنياء، ولا مجال للفقراء للدراسة، حتى إن كانت نسبتهم أكبر. وينبه إلى أنّه وآخرين قادوا احتجاجات بعد إعلان نتيجة القبول قبل أسابيع، وأنّ وزارة التعليم العالي استجابت لتلك الاحتجاجات، بإعلانها معالجة ملفات كلّ الطلاب الذين أحرزوا نسبة تفوق 90 في المائة في الثانوية، معرباً عن أمله وتطلعه بأن تكون المعالجات مرضية للجميع، وإن كان ذلك على حساب المقبولين على نفقتهم الخاصة، لأنّ القبول يجب أن يكون وفقاً للدرجات وليس وفقاً للأموال، بحسب تعبيره.
من جهته، يقول ياسر عبد الرحمن: "في الماضي، ظلّ صغار الموظفين وأفراد الطبقة الوسطى، يجتهدون بكلّ السبل في دفع الرسوم الدراسية وإن عبر القروض، وذلك استثماراً في تعليم أبنائهم. أما بعد الزيادة الراهنة وفي ظلّ الظروف المعيشية الحالية وغلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخم إلى أكثر من 300 في المائة، فمن المستحيل تمكن الغالبية من التفكير في القبول على النفقة الخاصة، وبالتالي يعجزون عن تلبية رغبات أبنائهم وبناتهم. يضيف عبد الرحمن لـ"العربي الجديد" أنّ مستقبل التعليم الجامعي في البلاد في خطر شديد، مع مضاعفة تكلفته، إذ يحتاج الطالب إلى ما لا يقل عن 500 جنيه (نحو 1.5 دولار) يومياً، للمأكل والمشرب فقط، عدا عن العلاج والسكن والمراجع وغيرها. ويتوقع انعكاسات مجتمعية خطيرة في المستقبل القريب بترك الطلاب الجامعة قبل التخرج.
أما محمد الوسيلة الطيب، فيوضح أنّ الحكومة رفعت الدعم عن وقود المركبات والغاز المنزلي والطحين والكهرباء، مع وعد منها بتوجيه الإيرادات المتوفرة لصالح الصحة والتعليم، لكنّها نكثت في ذلك الوعد الكبير والشعارات الرنانة، وفرضت رسوماً باهظة على التعليم، بل توسعت في قبول أبناء الأغنياء على حساب القبول العام المخصص للجميع، ما يعدّ ضربة موجعة للأسر والطلاب في آن واحد.
يقول الطيب لـ"العربي الجديد" إنّ مئات الطلاب المتفوقين الذين أحرزوا نسباً ما بين 90 و93 في المائة في امتحانات الثانوية الأخيرة، لم يجدوا مقاعد في الجامعات. يشير إلى أنّ مثل هؤلاء المتفوقين كان على الدولة الاحتفاء بتفوقهم وتكريمهم ورعايتهم، مؤكداً أنّ ما برز بعد إعلان نتيجة القبول للجامعات والمعاهد العليا سيترك آثاراً نفسية ومجتمعية على العديد من الطلاب، وسيوسع الفوارق الطبقية داخل المجتمع. ويطالب الدولة بتحمّل مسؤوليتها تجاه الجامعات، بتقديم الدعم المالي الكافي لها وتخصيص ما لا يقل عن 15 في المائة من الموازنة العامة لصالح التعليم عموماً.
لكنّ الأستاذ الجامعي أحمد الأمين، فيؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ القبول على النفقة الخاصة أسهم، إلى حدّ كبير، في تحقيق الاستقرار في الجامعات التي استفادت منه في تسيير شؤونها اليومية، وطورت عملها، وتوسعت في الكليات والأقسام، ما أتاح بطريقة غير مباشرة مقاعد جديدة للطلاب. يلفت إلى أنّ فلسفة القبول الخاص ما كان للجامعات أن تلجأ إليها لولا تخلي الحكومة عن دعم الجامعات الحكومية. يوضح الأمين أنّ "نسبة القبول الخاصة في امتحان الثانوية ليس بينها وبين نسب القبول العام فرق شاسع، إذ لا يتجاوز الفارق 2 في المائة، فوزارة التعليم العالي تحرص على الالتزام بتطبيق كلّ المعايير الأكاديمية في القبول"، رافضاً بشدة الانتقادات التي توجه للقبول الخاص، وما يقال عن انعكاساته المجتمعية وخلافه.
بدوره، يوضح المحامي طارق إلياس لـ"العربي الجديد" أنّ أصل الأزمة يكمن في السياسات العامة للدولة، وسياسة القبول خصوصاً، مطالباً بتغيير نظام القبول كلياً، ليكون بحسب احتياجات الدولة المستقبلية وخططها للتطور والنمو. ويلفت إلى أنّ الجميع يريد أن يدرس الطبّ والصيدلة، في حين يجب أن تكون الأولوية للاختصاصات الزراعية، فالزراعة هي مخرج السودان من كلّ أزماته الاقتصادية والمعيشية، وبالتالي يجب وضع سياسات لتشجيع الطلاب المتفوقين على دراسة الزراعة والهندسة الزراعية وغيرهما من الاختصاصات ذات الصلة.