600 نسخة من دفتر "الزمن المعلّق" اختزلت المعاناة المتواصلة لأهالي المخطوفين والمفقودين والمخفيين قسراً في لبنان، حيث دأب عدد منهم على طباعة صور أحبائهم على الغلاف الأمامي للدفتر، في حين عبّروا عن حجم شوقهم وحنينهم وأملهم بكشف مصيرهم عبر كلمات أليمة سطّرت الغلاف الخلفي.
دفتر أبيض بصفحاته، مظلم بحكاياته، خاطوه قطبة قطبة، وزرعوا مع كلّ غرزة إبرة، قبلة وغمرة، فكان إهداء من صنع أيديهم بمناسبة اليوم العالمي للمفقودين، والذي صادف اليوم في 30 أغسطس/ آب، في خطوة تهدف إلى ترسيخ هذه القضية الإنسانية في وجدان كل العائلات اللبنانية.
وشهدت المناسبة لقاءً تضامنياً بدعوة من لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان واللجنة الدولية للصليب الأحمر، حيث احتشد الأهالي أمام مبنى لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا" في بيروت، وهو مكان اعتصامهم الدائم.
وفي حديثها لـ"العربي الجديد"، اعتصر الألم قلب نجاة فرج، التي فقدت والدها حسن وشقيقيها خالد وعبد اللطيف عام 1975، وهم في طريق عودتهم من عملهم إلى بلدتهم في البقاع، حيث اختطفوا في منطقة الحازمية (جبل لبنان)، وكان الخطف على الهوية حينها في أوجه. وتقول: "كان والدي في الخمسين وعمر شقيقي الأول 16 والثاني 14. توفيت والدتي عام 2005، وكانت تعيش بأمل لقائهم، لكننا لم نجد جثثهم أو أي أثر لهم. لن نتخلى عن حقنا في كشف مصيرهم أكانوا أحياء أم أمواتاً، كي لا يجري اغتيالهم مرتين".
بدورها، لا تزال غادة، شقيقة المفقود فوزات أبو هيكل، تنتظر عودة أخيها الذي فُقد قبل 38 عاماً. وتقول لـ"العربي الجديد": "كان شاباً في العشرينات غادر المنزل لزيارة خطيبته، ولم يعد حتى اليوم، لكننا لن نفقد الأمل. والدي ووالدتي المسنّان ما زالا ينتظران. نناشد الدولة والمسؤولين الوقوف بجانب قضيتنا المحقة".
وبحرقة ودمعة، قالت نعمت، شقيقة عبد الهادي المعلم: "ننتظره منذ 39 عاماً حين خُطف أثناء خدمته العسكرية. توفي والداي ولم يُجبر بخاطرهما. كان والدي يقول كيف أوقّع على وفاة ابني ولم أدفنه بيديّ. لقد حرقوا قلب أهلي وقلوبنا جميعاً".
وقالت رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان، وداد حلواني، في كلمة ألقتها: "نأسف لأن مواقف السلطات المعنية لا تزال على حالها على صعيد التهرب من تحمّل مسؤولياتها ووضع العراقيل أمام الهيئة الوطنية لكشف مصير مفقودي الحرب اللبنانية".
بدورها، رأت رئيسة بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في لبنان، سيمون كاسابيانكا إيشليمان، أنّه "لا يمكن أن يطفئ مرور الزمن نار عزيمة الأهالي، ونحن مصممون على مساعدتهم في الوصول إلى إجابات. المفقودون ليسوا مجرد أرقام، بل آباء وأبناء وأمهات وإخوة وأخوات تركوا فراغاً كبيراً في قلوب أحبائهم".
ولفتت عضو الهيئة الإدارية في لجنة الأهالي، أنجاد المعلم، إلى أن "الهدف من توزيع الدفتر هو عدم نسيان المفقودين وتذكر أهاليهم الذين تجمّد الزمن عندهم منذ أن خُطف أحباؤهم منذ أكثر من أربعة عقود".