الزريبة العليا... آثار من التاريخ الأمازيغي في تونس

17 أكتوبر 2024
الزريبة العليا قبلة آلاف السياح في تونس سنوياً (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تقع قرية الزريبة العليا في منطقة زغوان التونسية على تلة عالية، وتعتبر وجهة سياحية شهيرة رغم انهيار معظم مبانيها. كانت موطناً للأمازيغ الذين هجروها، لكنها لا تزال تجذب السياح سنوياً.
- تاريخ القرية يكتنفه الغموض، حيث يُعتقد أن الأمازيغ شيدوها في القرن السابع عشر، وتتميز بتصميم معماري فريد يحميها من العوامل المناخية والغزوات.
- رغم تهاوي بيوتها، تحتفظ القرية بجاذبيتها السياحية وتعتبر متحفاً مفتوحاً يعكس حياة الأمازيغ، مع آمال في تحويلها إلى قرية ثقافية.

توجد قرية الزريبة العليا في منطقة زغوان التونسية فوق تلة عالية تحيط بها جبال صخرية. وقد حافظت على تماسكها عبر التاريخ رغم أن غالبية مساكنها انهارت. ورغم أن السكان الأصليين الأمازيغ هجروها، لم تنقطع الحركة فيها على مدى عقود؛ فهي قبلة لآلاف السياح المحليين والأجانب الذين يزورونها سنوياً".

يمكن الصعود إلى هذه القرية مشياً على الأقدام عبر طريق صعبة تتضمن درجاً مرتفعاً نوعاً ما، وأيضاً أزقة ضيّقة أرضيتها من حجارة جبلية. 

تهاوت غالبية بيوت ومباني قرية الزريبة العليا، وبقيت فقط مساكن مهجورة تشهد على تاريخ الأمازيغ الذين كانوا موجودين في عدة مناطق تونسية، لكن اللافت أن السنين أو الظروف المناخية لم تزِل تفاصيل تصميم البيوت والمباني التي حوفِظ على هياكلها المنهكة رغم انهيار أجزاء كبيرة منها. 
وقد شهدت بعض هذه البيوت والمباني تدخلات بسيطة لم تحمها من الانهيار رغم النداءات المستمرة من أهالي منطقة زغوان بضرورة الحفاظ على القرية باعتبارها لا تزال تمثل قبلة السياح المحليين والأجانب على حدّ سواء، رغم أنها مهجورة وتوجد فيها أربع عائلات حالياً. 

تشهد الزريبة العليا على تاريخ الأمازيغ (العربي الجديد)
تشهد الزريبة العليا على تاريخ الأمازيغ (العربي الجديد)

ويكتنف تاريخ المنطقة الكثير من الغموض، وتتعدد روايات المؤرخين والسكان المجاورين للقرية، ومنها أن الأمازيغ انتشروا على مساحات شاسعة في تونس، من الشمال إلى الجنوب، وشيّدوا قرى في عدة مناطق متطابقة تماماً على صعيد الشكل وطريقة البناء، والتفاصيل المعمارية. 
ويصعب وضع تاريخ دقيق لتشييد القرى الأمازيغية التي شكلّت جزءا لا يتجزأ من الإرث القديم في تونس، رغم أنها كانت محط اهتمام باحثين ومؤرخين لم يتفقوا على تاريخ المنطقة. ورجح بعضهم أنّها تعود إلى الغزو الروماني، وآخرون إلى أنها شُيّدت في القرن الحادي عشر خلال الزحف الهلالي على البلاد. 

بيت متحف (العربي الجديد)
بيت متحف (العربي الجديد)

ويقول بعض المؤرخين إنّ تاريخ تشييد الزريبة العليا يعود إلى القرن السابع عشر حين شيّد ثلاثة إخوة أمازيغ ثلاث قرى بنفس الطريقة، وهي تكرونة والزريبة العليا وجرادو التي بني كل منها على سفح جبل منطقة مختلفة، لكن باحثين يقولون إنّ هذه القرى شُيّدت بعد قدوم قبائل من المغرب الأقصى.
وتتمثل أبرز سمات قرية الزريبة العليا أنّها شُيّدت على مرتفع تحيط به بعض جبال تحميها من الرياح والعوامل المناخية الصعبة، وأيضاً من أي غزو أو تدخل، خصوصاً أنّ الطريق المؤدية إليها صعبة. 

تفاصيل بسيطة عمرها قرون  (العربي الجديد)
تفاصيل بسيطة عمرها قرون (العربي الجديد)

ويقول محمد خلف الله، الباحث في تاريخ الأمازيغ بتونس، لـ"العربي الجديد": "غالبية القرى الأمازيغية في تونس شُيّدت في مرتفعات صعبة وفي مناطق يصعب الوصول إليها. واختار من بنوها هذه الطريقة لتفادي أيّ حرب أو غزو أو صراع عرقي أو تهديد لهيكلهم القبلي لأنّهم يعيشون في قبائل صغيرة تمركزت في عدة مناطق تونسية، من الشمال إلى الجنوب، وبقيت معالمهم شاهدة على طريق بناء منازلهم وعيشهم في قرى صغيرة". 

أزقة صغيرة (العربي الجديد)
أزقة صغيرة (العربي الجديد)

وتعني كلمة الزريبة الحوش أو المنطقة المسورة أو الحصن المكشوف، بحسب تعريف المعهد الوطني للتراث. والحوش هو الفسحة الخارجية التي تقع وسط البيوت التي كانت تشيّد بطرق قديمة، وتتضمن غرفاً تُبنى في شكل دائري تتوسطها فسحة تسمى بالحوش في تونس. 
وكل بيت في قرية الزريبة العليا هو متحف في حدّ ذاته، وقد ترك بعض السكان الذين رحلوا عن هذه البيوت مقتنياتهم البسيطة التي تعدّ اليوم من أغلى أنواع "الأنتيكا" التي لا مثيل لها في عدة مناطق تونسية. وتعيد التفاصيل البسيطة لكل بيت إلى قرون شهدت عيش الإنسان بطرق بسيطة جداً. 
وتتوزع هذه المساكن البسيطة على مساحة صغيرة تفصل بينها أزقة صغيرة جعلت سكان القرى الأمازيغية في تونس يعيشون في عالمهم، ويمارسون تقاليدهم وأعرافهم الخاصة، تجمعهم بئر واحدة ومسجد واحد، ومقهى يتوافد إليه الزوار اليوم، خصوصاً خلال العطل الأسبوعية.
وجرى تشييد مباني الزريبة العليا بصخور جبلية مثل كل القرى الأمازيغية في تونس، ما جعلها جميعها تتشابه في الشكل وطريقة العمار، وتتفرّد بأنها قريبة وتفصل بينها أزقة ضيقة جداً. أما غرف البيت فبُنيت في شكل دائري تتوسطها فسحة تسمى الحوش أو صحن الدار، وأسقفها مقوّسة على شكل قبة، وليست مسطّحة. 
ورغم أن غالبية هذه البيوت تهاوت وانهارت، لا تزال قرية الزريبة العليا تستقطب السياح باستمرار، وتمثل قبلة لهواة السينما والدراما وشركات الإنتاج.

وبعيداً عن الاختلافات العرقية في المجتمع التونسي، لا يزال تاريخ الأمازيغ يظهر بوضوح في عدة مناطق، خصوصاً في الزريبة العليا حيث توجد نقوش ورسوم بأحرف أمازيغية على جدران بيوت انهارت غالبيتها، رغم أنها شُيّدت باستخدام حجارة جبلية صمدت آلاف السنوات. 
 وعام 2016 أشرف مسؤولون على جلسة عمل للنظر في سبل صيانة قرية الزريبة العليا وإحيائها. وجرى تقديم عرض حول الأهمية التاريخية للقرية، لكنها لم تشهد أي ترميم منذ سنوات حتى تهاوت جدران غالبية المساكن في السنوات الأخيرة. لكن ذلك لا يمنع أيضاً بعض من بقي في القرية بأن يحلموا في العودة إلى العيش فيها أو تحويلها إلى قرية ثقافية تعرّف بالهوية الأمازيغية في تونس.

المساهمون