اللاجئون الروهينغا في بنغلادش ينشدون العودة إلى ميانمار بعد 5 أعوام

24 اغسطس 2022
صغيرة من الروهينغا مصيرها معلّق في مخيّم لجوء في بنغلادش (Getty)
+ الخط -

في مدرسته الواقعة ضمن مخيّم للاجئين، يكرّر محمد يوسف في كلّ صباح نشيد ميانمار الوطني، علماً أنّ نايبيداو أجبرت عائلته على الفرار وهي متّهمة بقتل آلاف من أبناء عرقيته. والفتى البالغ من العمر 15 عاماً واحد من بين مئات آلاف الروهينغا المسلمين بمعظمهم الذين هربوا إلى بنغلادش بعدما أطلق الجيش في ميانمار حملة وحشية ضدّهم قبل خمسة أعوام في 25 أغسطس/آب 2017.

ويتلقّى محمد مذ تهجّر من ميانمار، إلى جانب عدد كبير من أطفال اللاجئين الآخرين الذين يعيشون في مخيّمات بنغلادش المكتظة، تعليماً ضئيلاً أو لا تعليم إطلاقاً، في حين تخشى دكا من أنّ يعكس التعليم قبولاً بأنّ الروهينغا لن يعودوا إلى بلادهم في وقت قريب. وقد سمحت السلطات في شهر يوليو/تموز الماضي، أخيراً، لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) بتوسيع برامجها الدراسية لتشمل 130 ألف طفل وصولاً إلى جميع المقيمين في المخيّمات. لكنّ البلد المضيف ما زال يسعى إلى إعادة اللاجئين. وبالتالي تُستخدم لغة ميانمار في العملية التعليمية في حين تتبع المدارس منهاج البلاد كذلك.

ومنذ زمن بعيد، ثمّة من ينظر إلى الروهينغا في ميانمار باحتقار، إذ يعدّهم أجانب. ويشكّل البوذيون الأغلبية في البلاد، علماً أنّ أعلى محكمة أممية تتّهم حكومة نايبيداو بمحاولة القضاء على الأقلية. وعلى الرغم من ذلك يردّد محمد النشيد الوطني بحماسة، إذ يرى فيه رمزاً للتحدّي والعودة مستقبلاً. ويقول الفتى لوكالة فرانس برس: "ميانمار وطني. البلد نفسه لم يلحق بنا أيّ أذى. الأشخاص النافذون فيه هم الذين قاموا بذلك. ماتت شقيقتي هناك وذُبح شعبنا". يضيف: "مع ذلك، إنّه بلدي وسوف أحبّه حتى النهاية".

الصورة
صغار في مخيم للاجئين الروهينغا في بنغلادش (سلمان علي/ Getty)
ما هو مستقبل صغار الروهينغا في المخيّمات من دون تعليم؟ (سلمان علي/ Getty)

"قنابل موقوتة"

يُعَدّ الحرمان من التعليم لسنوات إشارة إلى التناقضات في بنغلادش تجاه اللاجئين الذين نُقل بعض منهم إلى جزيرة نائية معرّضة لفيضانات كانت غير مأهولة سابقاً. ويقول نائب مفوض اللاجئين شامسود دوزا لوكالة فرانس برس: "تذكّرهم هذه المناهج بأنّهم ينتمون إلى ميانمار التي سوف يعودون إليها يوماً ما". لكنّ موعد تحقيق ذلك ما زال غير واضح.

وكانت المفوضة السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه قد صرّحت في خلال زيارة لمخيمات اللاجئين الروهينغا في بنغلادش هذا الشهر، بأنّ الظروف "غير مواتية للعودة". أضافت أنّه من غير الممكن إعادة اللاجئين إلا "في ظلّ ظروف آمنة ومستدامة في ميانمار". وبينما استبعدت إمكانية تحوّل مخيّمات الروهينغا إلى "قطاع غزّة جديد"، إلا أنّ دكا باتت الآن أكثر إدراكاً للمخاطر التي قد تنجم عن بقاء مجتمع كبير من اللاجئين المحرومين لفترة طويلة على أراضيها.

تجدر الإشارة إلى أنّ أعمار نحو 50 في المائة من الأشخاص المقيمين في المخيّمات هي دون 18 عاماً. ويقول محفوظ الرحمن، وهو جنرال سابق من بنغلادش كان يتولّى منصباً في الفترة التي فرّ فيها الروهينغا، إنّ الحكومة "ظنّت أنّ تعليم الروهينغا سوف يعطي إشارة إلى ميانمار بأنّها (بنغلادش) سوف تستوعب (على أراضيها) الأقلية المسلمة في نهاية المطاف". لكنّ دكا بحسب ما يضيف لوكالة فرانس برس، "أدركت" اليوم أنّها تحتاج إلى خطة أطول أمداً، لأسباب لعلّ أبرزها خطر وجود جيل من الشباب غير المتعلّمين في المخيّمات.

ويمثّل الأمن في المخيّمات مشكلة أساسية نظراً إلى وجود عصابات تهرّب مواد ممنوعة عبر الحدود. وفي خلال الأعوام الخمسة الأخيرة، وقعت أكثر من 100 عملية قتل. كذلك تنشط مجموعات مسلّحة متمرّدة قتلت عشرات الشخصيات المهمة في مجتمع الروهينغا، وهي تبحث على الدوام عن شبّان يشعرون بالملل. ويُعَدّ الشباب الذين يبدو المستقبل قاتماً أمامهم ولا يُسمح لهم بمغادرة المخيّمات، هدفاً أساسياً لمهرّبي البشر الذين يعدونهم بنقلهم عبر قوارب نحو حياة أفضل في مكان آخر. وفي هذا الإطار، يلفت الرحمن إلى أنّه "في إمكان جميع الأطفال أن يكونوا قنابل موقوتة"، مضيفاً أنّ "النشأة في مخيّم من دون تعليم وأمل وأحلام قد يحوّلهم إلى وحوش".

حلم الطيران

وتسود المخاوف إزاء إمكانية أن تغيّر بنغلادش رأيها وتعلّق المشروع التعليمي مثلما فعلت مع برنامج للمدارس الخاصة لتعليم أكثر من 30 ألف طفل في المخيّمات في وقت سابق من هذا العام. ويدين ناشطون البرنامج التعليمي لإصراره على اتّباع منهاج ميانمار بدلاً من ذاك المتّبع في بنغلادش.

وفي ظلّ عدم توفّر احتمالات كبيرة بالعودة إلى البلاد، لم يكن المنهاج المعتمد مفيداً كثيراً، بحسب ما يقول مجيب الله، وهو قائد للروهينغا في الشتات يقيم اليوم في أستراليا. يضيف لوكالة فرانس برس: "إذا لم نعد إلى وطننا، لماذا يتعيّن علينا تلقّي تعليمنا بلغة ميانمار؟ سوف يكون الأمر مضيعة للوقت وأشبه بانتحار جماعي. خسرنا خمسة أعوام حتى الآن. نحتاج إلى مناهج دولية باللغة الإنكليزية".

من جهته، لا يخفي الفتى محمد يوسف طموحاته التي تحمل بعداً دولياً كذلك، بينما يقرأ كتاباً عن الأخوَين رايت يُنسَب إليهما اختراع الطائرة الأولى، وذلك في صفّه الذي يتكوّن سقفه من قماش مشمّع. فالفتى يرغب في أن يصير مهندس طيران أو طياراً ليحلّق يوماً ما في اتجاه مدينة رانغون المركز التجاري لميانمار. ويقول: "يوماً ما، سوف أحلّق حول العالم. هذا حلمي الوحيد".

(فرانس برس)

المساهمون