الرملة البيضاء... شاطئ شعبي يلفظ الناس في بيروت

02 يوليو 2022
"الرملة البيضاء" الشاطئ الرملي الشعبي الوحيد في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -

مع حلول فصل الصيف في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان، يصعب على كثيرين ارتياد المسابح الخاصة في بيروت، لا سيّما أنّها كما المسابح في خارج العاصمة رفعت تسعيراتها نحو 200 في المائة مقارنة بالعام الماضي. ثمّ تأتي أزمة المحروقات لتمنع أبناء المدينة من التوجّه إلى شواطئ شعبية في خارجها، فيبدو بالتالي شاطئ "الرملة البيضاء" الواقع جنوبي بيروت حلاً بديلاً ممكناً. لكن هل هو فعلاً كذلك في موسم البحر هذا، في حين تكثر الملاحظات حوله والتحفّظات عليه؟
تخبر سعاد أنّها قرّرت في العام الماضي، بخلاف العادة، ارتياد شاطئ الرملة البيضاء في بيروت، مضيفة: "أنا أحبّ هذه المدينة جداً، وأنا أقصد كورنيش الشاطئ عادة للتنزّه أو تناول القهوة هناك. وجذبتني فكرة السباحة في البحر هناك، فقصدته في أحد أيام العطلة للاستجمام. لكنّ ارتدائي لباس السباحة جعل بعض الموجودين على الشاطئ يوجّهون لي كلاماً بذيئاً إذ عدّوا ذلك كسراً للعادات والتقاليد". تضيف سعاد: "لا قانون يمنع ارتياد الشاطئ بلباس السباحة، وهو من الأملاك العامة. لكنّ الطابع المسيطر على المكان شكّل عائقاً بالنسبة إلي، وشعرت بعدم الانتماء إليه. وارتأيت عدم تكرار هذه التجربة".
وتشير سعاد إلى "التلوّث وغياب النظافة في المكان، على الرغم من المحاولات التي تأتي بها جمعيات بيئية ومتطوعون. بالتالي يبدو أنّ ثمّة خطراً بيئياً وآخر صحياً يتهدّدان الناس هناك، عدا حوادث الغرق التي تتكرّر لعدم توفّر الحماية اللازمة". وتشدّد على أنّ "ثمّة مخاطرة حقيقية في النزول إلى هذا الشاطئ".
من جهتها، تقول جومانا لـ"العربي الجديد" إنّ "عاداتنا سوف تتغيّر هذا العام، إذ لم يعد في استطاعتنا تغطية تكاليف المسابح الخاصة". وتوضح المرأة وهي أمّ لثلاثة أطفال أكبرهم في السادسة عشرة من عمره، أنّ "التكلفة التي سوف تترتّب على العائلة قد تتخطّى مليون ليرة لبنانية (نحو 660 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو 35 دولاراً بحسب سعر السوق الموازية) كبدل دخول فقط، ما عدا المصاريف في الداخل وكلفة التنقل. لذا أفضّل ارتياد المسابح الشعبية الأقلّ كلفة". تضيف جومانا: "لكنّني مضطرة إلى التوجّه إلى الشواطئ البعيدة عن بيروت، لأنّني أشعر بأنّها أكثر أماناً"، موضحة: "أنا لا أسمح لابنتي بارتياد شاطئ الرملة البيضاء حتى لو لم ترتدِ لباس السباحة"، إذ إنّ الأمّ لا ترتاح للأشخاص الذين يرتادون المكان. وتتابع: "كذلك يقلقني تلوّث البحر وعدم نظافته، وأنا لست في وارد تعريض أطفالي لأمراض من أجل توفير المال، فأنا قد أعود لأصرفه على طبابتهم".

الصورة
شاطئ الرملة البيضاء في بيروت في لبنان 2 (حسين بيضون)
ثمّة قلق دائم من تلوّث مياه هذا الشاطئ (حسين بيضون)

أمّا ملاك وهي أمّ لطفل لم يكمل عامه الثاني، فتؤكد: "لا أستطيع ارتياد شاطئ الرملة البيضاء أنا وطفلي. نحن نعرف جيداً حوادث الغرق والخطف التي قد يتعرّض لها الأطفال في الأماكن العامة وسط الغرباء، وبالنسبة إليّ المكان هناك غير آمن وقد يعرّضني أنا وابني لمخاطر". وتضيف ملاك: "في العيد الماضي، اضطررت إلى قضاء العطلة في المنزل، أنا وطفلي، إذ لا تتوفّر أماكن عامة آمنة. فكيف إذا كان شاطئاً عاماً"؟ وتطالب ملاك "بلدية بيروت والجمعيات المختصة بالعمل على تنظيم الشاطئ وتجهيز بركة مياه خاصة بالأطفال، تكون نظيفة ومعقّمة، فنستطيع قضاء يوم آمن على شاطئ شعبي. كذلك فإنّ وضع ألعاب على الشاطئ من شأنه أن يضيف متعة الصغار، من دون قلق وخوف، وتستطيع الأمّهات مراقبة أطفالهنّ بعيداً عن التيارات البحرية". وتشدّد: "نحن أصحاب الدخل المحدود في حاجة إلى أماكن عامة صحية وآمنة".

الصورة
شاطئ الرملة البيضاء في بيروت في لبنان 3 (حسين بيضون)
يُعَدّ هذا الشاطئ مقصداً لذوي الدخل المحدود خصوصاً (حسين بيضون)

في سياق متصل، يوضح الناشط البيئي والمسؤول عن شاطئ الرملة البيضاء الشعبي نزيه الريس لـ"العربي الجديد" أنّ "مشروع الشواطئ الشعبية التابع لوزارة الأشغال العامة والنقل بدأ في عام 2003، ثمّ كُلّفت لجنة الأزرق الكبير بإدارته قبل أن تتحوّل الى جمعية في عام 2011 وكذلك جمعية سيدرز للعناية.

ومنذ ذلك الوقت وحتى عام 2005، كانت الوزارة تتكفل بكلّ المصاريف إلى أن تقرّر التوقّف عن الدفع لعدم قدرتها المالية على ذلك، مع منحنا الرخص اللازمة من مجلس الوزراء كجمعية لفتح أكشاك صغيرة وإدارتها وتحمّل التكاليف والأجور. وبالتالي تحوّل دور الوزارة إلى الإشراف فقط. واليوم الجمعية مسؤولة عن تنظيف الشاطئ واختيار المنقذين البحريين وحماية مرتادي البحر".

الصورة
شاطئ الرملة البيضاء في بيروت في لبنان 4 (حسين بيضون)
لم تعد مسابح لبنان الخاصة في متناول كثيرين (حسين بيضون)

وفي ما يتعلّق بالتخوّف السائد حول شاطئ الرملة البيضاء، يقول الريس: "نحن نحرص دائماً على سلامة الناس وأمنهم. ومنذ استلام الجمعية إدارة الشاطئ، اختلف الأمر. فبعد عام 2003، صار الشاطئ الشعبي مكاناً آمناً للعائلات، لا يخلو الأمر من بعض التجاوزات التي تحصل في كلّ المسابح. لكنّ المكان مقصود من قبل أبناء المدينة والسياح الأجانب والعرب وهو ما يخالف ما هو متداول". ويشدّد الريس: "نحن موجودون هنا لحماية مرتادي هذا المكان، ونحن نطلب منهم إبلاغنا بأيّ تجاوز قد يحصل. كذلك نحن نتعاون مع استخبارات الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي في حال حصول أيّ مشكلة".

ويتابع الريس أنّ "أهمية مجانية الشاطئ الشعبي هي أنّ مرتاده يستطيع استخدام كلّ المعدّات المتوفّرة على الشاطئ بشكل مجاني، كما هو قادر على إدخال الطعام والشراب والألعاب وقضاء يوم على البحر مع عائلته في بقعة يختارها. أمّا إذا أراد استئجار طاولة وأربعة كراس، على سبيل المثال، فإنّ ذلك يكلّف نحو 200 ألف ليرة (نحو 135 دولاراً بحسب سعر الصرف الرسمي، ونحو سبعة دولارات بحسب سعر السوق الموازية) حالياً لكلّ عائلة، وهي تكلفة منخفضة مقارنة بتعرفة الدخول إلى المسابح الخاصة للفرد الواحد".

الصورة
شاطئ الرملة البيضاء في بيروت في لبنان 5 (حسين بيضون)
جمعية "الأزرق الكبير" حريصة على سلامة الناس على هذا الشاطئ (حسين بيضون)

وفي ما يتعلق بمشكلات البيئة والصرف الصحي المستمرة منذ سنوات، يقول الريس: "نحن لا نستطيع ضمان نظافة البحر، فمياه الصرف الصحي تحدّه من الجهتَين. لكنّني أودّ التوضيح أنّ هذا الشاطئ هو أقلّ تلوّثاً من باقي الشواطئ الممتدة على جانبَيه، لكنّ ثمّة مخططاً لتسليط الضوء على المشكلة هنا فقط". ويتحدّث الريس عن "مشروع كانت بلدية بيروت قد طرحته لتحويل مياه الصرف الصحي إلى خارج البحر عبر مضخّات، لكنّها لم تُشغَّل بسبب خلافات إدارية".