بعد عشر سنوات من النزوح، عادت إلى ديارها أكثر من ألفي أسرة في مدينة تاورغاء التي تبعد 250 كيلومتراَ من شرق العاصمة الليبية طرابلس، في حين تبقى أكثر من 10 آلاف أسرة مشتتة بين المدن والمناطق الليبية.
ويكافح العائدون لإعادة إعمار مدينتهم التي دمرت بالكامل خلال عام 2011، بسبب دعم أبنائها لنظام معمر القذافي السابق. وأبدى أحدهم ويدعى عبد الهادي جاب الله فرحته بعودة التيار الكهربائي السبت الماضي، علماً أن الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية وغالبية منازل المدينة منع السلطات المحلية من إعادة الحياة إليها، رغم عودة السكان تدريجاً منذ منتصف عام 2018.
ويصف جاب الله، في حديثه لـ"العربي الجديد"، الأيام الأولى لعودته مع أسرته برفقة 80 أسرة أخرى بأنها "كانت مرعبة في ظل مواجهتنا ضرورة العودة إلى موطننا، والمخاوف من تعرضنا لهجوم جديد لأن القضية الخاصة بمواقفنا السياسية لم تغلق".
يضيف: "وجدنا أن بعض المنازل قد سويت بالأرض، وأن بعضها تحتاج إلى أشهر من أعمال إعادة الترميم لجعلها صالحة للسكن مجدداً، ما جعلنا نمكث في خيام. أما الآن فرممت مجموعة كبيرة من المنازل بعدما تشجعت أسر كثيرة على العودة".
وفتح بعض الأهالي العائدين محال صغيرة للمواد الأساسية والغذائية بدءاً من عام 2019، فيما جهزت السلطات المحلية غرفاً لإعادة الطلاب الى الدراسة.
الميزانيات حبر على ورق
يصرّ الناشط المدني والحقوقي أنس جبر في حديثه لـ"العربي الجديد" على أن "الحياة باتت شبه طبيعية في المدينة بفضل سكانها الذين تمسكوا بالرجوع، ما شكل عاملاً لفرض تسوية في قضيتها. أما وعود الحكومة للمجلس البلدي بتخصيص ميزانيات خاصة بإعادة إعمار المدينة فبقيت حبراً على ورق، ومحاولة لاستثمار قضيتها في الدعاية السياسية".
ويؤكد جبر أن "الدعم الحكومي لم يتجاوز حد تقديم معونات لقسم عزل مصابين بوباء كورونا، ومركز للشرطة ومكتب تابع لوزارة التعليم. وقد أعيدت الكهرباء إلى بعض الأحياء، لكن غالبيتها لا تزال في ظلام دامس بسبب النقص في الأسلاك والأعمدة. أما أبرز الأزمات التي تواجهها المدينة وتتطلب دعماً رسمياً فتشمل انتشار وباء اللشمانيا الذي يهدد سكانها سنوياً، علماً أن مجلسها البلدي لم يتلقَ أي دعم باستثناء عدد من سيارات رش المبيدات من بعثة الأمم المتحدة مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، بينما هناك حاجة ماسة لتأمين أدوية لهذا المرض".
وحرص رئيس الحكومة الحالية عبد الحميد الدبيبة على أن تشمل زياراته الرسمية الأولى تاورغاء. وحصل ذلك مطلع إبريل/ نيسان الماضي، حين أكدت الحكومة حق أبناء المدينة في العيش بأمان في مناطقهم.
لا بيوت لأسر جديدة
وفي مطلع مارس/ آذار الماضي، التقى وزير الدولة لشؤون المهجرين وحقوق الإنسان بالحكومة أحمد أبو خزام برفقة وزير الإسكان والتعمير أبو بكر الغاوي، مسؤولين في المجلس البلدي لمدينة تاورغاء، وناقشا معهم إمكان توفير مساكن للعائدين، علماً أن 10 آلاف أسرة تأسست في المهجر إثر زيجات حصلت بين أبناء تاورغاء في مناطق لجأوا إليها، لا تملك بيوتاً في المدينة.
وأعقب ذلك إصدار الحكومة تعليمات في يوليو/ تموز الماضي طالبت بضرورة تسوية كل المشاكل التي تواجه سكان المدينة بهدف عودة أكبر عدد من النازحين. لكن إجراءات مواكبة هذه التعليمات لا تزال تتحرك ببطء شديد، ما يجعل امبيه الهوش، وهو مهجر لا يزال نازحاً خارج تاورغاء، ينتقد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عدم تعاطي الحكومة جدياً مع قضية نازحي تاورغاء، ويقول: "فتحت الحكومة أخيراً فرعاً لصندوق دعم الزواج في المدينة، والذي سلم عدداً من شبان المدينة صكوكاً مالية للزواج وتأسيس عائلات جديدة، لكنني أسأل كيف سيحصل ذلك من دون تأمين بيوت، علماً أن أزمة السكن في تاورغاء تشمل 10 آلاف شاب كونوا أسراً خلال السنوات العشر الماضية، ويواجهون حالياً مشاكل بلغت حد رغبة بعضهم في الطلاق".
ويشير الهوش الذي صاهر أحد جيرانه المهجرين الى بنغازي عام 2015، إلى أن "أزمة التهجير لا تزال مستمرة ولا تتوقف عند حل مشكلة الأسر الجديدة. فمئات من الأسر لا تزال تعيش في مدينة مختلفة، وأكثرها في بنغازي وطرابلس، وغالبيتها في ظروف سيئة، بعدما فقدت منازلها في تاورغاء، وبات رجوعها عسيراً بالتالي بلا مساعدة الحكومة".