أيدت نسبة 60 في المائة من سكان سويسرا، في استفتاء شعبي أجري أخيراً، قانون نقل أعضاء بشرية، بلا الحصول على أي إذن، من متوفين إلى مرضى يحتاجون إلى هذه العمليات للبقاء على قيد الحياة. ويعني ذلك أنّ أي شخص يتجاوز سن الـ 16 ويعلن الأطباء وفاته في سويسرا قد يخضع لعملية نقل قلب أو عضو آخر في جسمه إلى شخص آخر، إذا لم يكن قد قدم بنفسه طلباً رسمياً لإعفائه من التبرع بالأعضاء.
فعلياً، يعيش عشرات آلاف المرضى في مختلف الدول الأوروبية على قوائم انتظار متبرعين بأعضاء حيوية، فيما يبدي مزيد من المواطنين رغبتهم في إنقاذ حياة غيرهم في حال الوفاة.
وبينما تنتهج بعض الدول سياسة التبرع الطوعي، مثل الدنمارك التي تسمح بتسجيل متبرعين في سن الـ15، يدور جدل في شأن تغيير القوانين لجعل التصرف بأعضاء المتوفين أمراً تلقائياً إذا لم يعترض الأشخاص المعنيون على استخدام أجسادهم كـ"قطع غيار" لإنقاذ غيرهم.
ومع زيادة الجدل حول الجوانب الأخلاقية والطبية المرتبطة بنقل أعضاء المتوفين، تفيد أرقام مجلس الصحة في الدنمارك بأن 64 في المائة من المواطنين (نحو 5.5 ملايين) قرروا منح أعضائهم، فيما يدفع بعض المتحمسين إلى تبني فكرة اعتماد قانون التبرع التلقائي عبر تكرار الاستفتاء الشعبي الذي أجرته سويسرا، تمهيداً لاعتبار أي متوفٍّ لم يحذف بنفسه اسمه من السجلات مانحاً.
ويقود مواطن دنماركي يدعى مادس سيبيلوف منذ عامين حملة في البلاد تهدف إلى الضغط على المشرعين لتعديل قوانين نقل الأعضاء التي تتطلب حالياً تسجيل الأفراد أنفسهم شخصياً بأنهم يريدون الانضمام إلى قوائم المانحين. كان مادس فقد ابنته جوزفين عام 2020، حين كانت في الـ 15 في العمر، بعدما انتظرت بلا فائدة للحصول على قلب من متبرع
وسيستمع البرلمان الدنماركي إلى سيبيلوف الذي يأمل في تشكيل غالبية تشريعية تؤيد اعتبار الشخص متبرعاً تلقائياً منذ الولادة.
وفي ظل وجود ما يشبه غالبية شعبية لتسجيل الدنماركيين أنفسهم على قوائم المانحين، يبدي مؤيدو التشريع الجديد تفاؤلهم بتبنيه، علماً أن 408 أشخاص ينتظرون منذ عام 2020 على قوائم من يحتاجون لقلب وكبد وأعضاء حيوية أخرى، في وقت توفي نحو 18 مريضاً قبل نقل أعضاء يحتاجونها. لكن ذلك لم يمنع نقل أعضاء حيوية إلى 403 دنماركيين منذ عام 2020 وبينها 32 قلباً من أشخاص أعلن موتهم، وتواجدوا على قوائم المانحين.
كذلك يأمل مؤيدو إجراء النقل التلقائي للأعضاء في حصر القرار بالشخص المعني، وليس تركه للأهل والأقارب، ويرون أن تبني التبرع التلقائي وعدم الانسحاب منه، لن يضطره إلى اتخاذ القرار الصعب في شأن السماح باستخدام القلب أو غيره. ويعتبر مادس أن "تبني التشريع سيطلق نقاشاً إيجابياً بين الناس وأقاربهم، خصوصاً أن الوفاة بحد ذاتها أمر مأساوي للأهل، وقد يساهم التشريع الخاص بالتبرع في تخفيف صدمة الموت".
في المقابل، يعارض دنماركيون فرض النموذج السويسري الخاص بالتبرع التلقائي، ويشددون على أنّ المسألة "قضية أخلاقية صعبة تحوّل المواطنين إلى أملاك دولة في قضية شخصية للغاية"، وهو ما يؤيده الكاهن سورين جوتفريدسن الذي يعبر عن الرأي المتحفظ دينياً وأخلاقياً في البلاد.
ويطالب أعضاء في "المجلس الدنماركي للأخلاقيات" بضمان الموافقة الشخصية للأفراد المتبرعين، "فكل إنسان يملك الحق الشرعي في التصرف بجسده، وتحديد ما يجب أن يحدث له بعد وفاته". ويصفون التشريع الجديد بأنّه "مهم لزيادة عمليات زرع الأعضاء التي تنقذ حياة المرضى".
ويؤيد معسكر اليسار ويسار الوسط في الدنمارك جعل التبرع بالأعضاء أشبه بمسألة إلزامية منذ الولادة، إذا لم يعترض عليها المواطن نفسه من خلال تقديم طلب لاستثنائه من عملية نقل أعضائه إلى آخرين. أما الليبراليون فيتبنون موقفاً أقل حماسة، إذ يعتبرون أن الأشخاص وحدهم يملكون حق تقرير مصير أجسادهم بعد الموت. وهم يؤيدون مع المحافظين استمرار الإجراء الطوعي المعتمد حالياً عبر تسجيل المواطنين أنفسهم كمانحين.
ومنذ عام 2008، يدور جدل في الدنمارك حول نقل أعضاء المتوفين، لكن ليس بين المشرعين. أما الفارق هذه المرة فهو تسلّح من يؤيدون مناقشته سياسياً بموقف شعبي أكثر انفتاحاً على نقل الأعضاء.
وبحسب أرقام سلطات الصحة في الدنمارك، يتخذ نحو 84 في المائة من الدنماركيين الذين يتجاوزون سن الـ 15 "موقفاً إيجابياً أو إيجابياً جداً من التبرع بالأعضاء". أما السلطات فتقول إنه "بينما أيد شخصان من كل 3 أشخاص الانضمام إلى قوائم المانحين المحتلمين، لم تتجاوز نسبة المسجلين لدى السلطات الصحية 26 في المائة من الدنماركيين، علماً أن هذه السلطات تنشط عادة في توضيح أهمية التبرع بالأعضاء لدى الفئات التي تتبرع بالدم وأثناء المراجعات في المستشفيات، ومن خلال حملات سنوية تنفذ في أكتوبر/ تشرين الأول من كلّ عام".