مضى أسبوعان على استئناف التعليم في أنحاء ليبيا، باستثناء مدينة درنة المنكوبة بفيضانات 10 سبتمبر/ أيلول الماضي، والتي أعلن مكتب التعليم في بلديتها أن استئناف الدراسة في المدينة سيكون يوم 28 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
ويشير إحصاء أجرته مصلحة المرافق التعليمية إلى تضرر 114 مؤسسة تعليمية فيها كانت تضم 189,157 تلميذاً في بلديات درنة، أم الرزم، القبة، الأبرق، القيقب، شحات، سوسة، وردامة، البيضاء، عمر المختار، الساحل، المرج، جردس العبيد، المليطانية، والأبيار.
وقد التحق بعض تلاميذ المدارس المتضررة في درنة بأخرى في مدن ومناطق أخرى شرقي ليبيا، بينها البيضاء والمرج وبنغازي وغيرها، في حين يبدو أن الازدواج الحكومي والمؤسساتي يشكل أحد عراقيل عودة الدراسة في مدينة درنة، بحسب ما يقول خليفة بن ناصر، أحد معلمي مدينة درنة، الذي يربط عودة النشاط الدراسي بإعمار المدينة وبينها المدارس المدمرة أو المتضررة جزئياً، وأيضاً بإزالة الخلافات الحكومية القائمة حول الملف.
يُضيف: "يتمثل أحد عراقيل استئناف نشاط المدارس، التي نجت من الإضرار التي ألحقتها السيول بمدينة درنة، بواقع تحوّلها إلى مقار للنازحين الذين استقبلت عدداً كبيراً منهم منذ بداية الكارثة، ووفرت لهم مراكز إيواء عاجلة بعدما فقدوا منازلهم في المدينة".
وفي مؤشر إلى وجود رغبة رسمية بإخراج النازحين من المدارس، نشر أحدهم في موقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو، أكد فيه أن السلطات طالبتهم بإخلاء المكان. ويقول الرجل في شريط الفيديو أنه يعمل معلماً في أحد الفصول الدراسية، ويشتكي من عدم وجود مكان يأوي إليه بعدما فقد منزله.
وتشير أوساط مطلعة إلى أن أوضاع الطلاب الذين نزحوا من درنة أفضل من أولئك الذين بقوا فيها، بعدما التحق عدد كبير منهم بمدارس قريبة من أماكن إقامتهم الجديدة في المناطق التي نزحوا إليها في بنغازي وأجدابيا (شرق)، أو عدد من المناطق في الغرب، بعدما أوصت حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس المدارس العامة والخاصة باستقبالهم من دون مقابل مادي، ومن دون تقديم أي أوراق ثبوتية، مع إعفاءهم جميعهم لمدة سنة من مصاريف خاصة باستصدار أوراق جديدة.
وكان لافتاً استقبال مدينة ترهونة، التي كانت سابقاً مسرحاَ لعمليات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وشهدت ارتكاب قواته جرائم ضد الإنسانية أكدها كشف وجود مقابر جماعية، عدداً كبيراً من نازحي درنة.
ونشر ناشطون مقاطع فيديو أظهرت فرحة المعلمين في مدارس المدينة بالقادمين الجدد، واستقبالهم بالأغاني والأهازيج من اجل كسر الحاجز النفسي، وخلق البهجة التي يحتاجون إليها بعدما عايشوا أهوال الكارثة.
أيضاً، خففت صور عودة بعض التلاميذ إلى الدراسة في مدارس بنغازي من وطأة ما حلّ بمدينة درنا. ونقلت لقطات نشرتها وزارة التربية والتعليم في حكومة مجلس النواب مشاهد مبهجة لصغار جرى تزويدهم بلوازم الدراسة مجاناً قبل أن يدخلوا الفصول الدراسية.
وقبل أيام، ناقشت إدارة مراقبة التعليم في درنة، مع مسؤولي لجنة الأزمة والطوارئ في المدينة وفرع مصلحة التفتيش والتوجيه التربوي، مجموعة إجراءات، بينها التهيئة النفسية للتلاميذ والمعلمين، وكذلك خطة اِستثنائية أعدّها فرع المصلحة لطلاب الشهادات العامة، وتشمل حصر الأيام التي فُقدت من الخطة الدراسية.
ووفق المكتب الإعلامي في وزارة التربية والتعليم بحكومة الوحدة الوطنية، اتفق المجتمعون عل قبول التلاميذ والطلاب المتضررين في المدارس من دون أي قيد أو شرط، والاِستعانة بالمدارس الخاصة في عملية التسجيل، فضلاً عن حصر معلمي الجداول لتغطية العجز، وحصر فاقد المعلمين للمطالبة بإبرام عقود تغطي العجز.
وتبحث مراقبة تعليم درنة الآن تقليص الفترة الزمنية للحصص الدراسية إلى 35 دقيقة بدلاً من 40، وتوفير وسائل لنقل التلاميذ والطلاب، وحصرهم بهدف توزيعهم على المدارس غير المتضررة.
ووفق بيانات الوزارة، يبلغ عدد التلاميذ والطلاب بمراقبة درنة 42,239 يدرسون في 73 مؤسسة تعليمية، منها 18 تضررت بالسيول والفيضانات.
وتؤكد كل هذه الإجراءات الاستعداد الحكومي لعودة الدراسة في مدينة درنة، لكن بن ناصر يرى أنها "شكلية وظاهرية"، ويسأل كيف ستستأنف الدراسة في مدارس لم يعد لها أثر وأخرى مدمرة، وهل سيجرى حشر أعداد كبيرة من التلاميذ في باقي المدارس التي لا يتجاوز عددها ثلاث أو أربع بعد تفريغها من النازحين، ونقل لجان الإنقاذ والمتطوعين التي تتخذ بعضها مقراً لعملها وأنشطتها".
وترى فاطمة حويل التي تسكن درنة أن الإجراء العملي يتمثل في نقل أولادها إلى مدارس تقع في مناطق مجاورة.
وتفكر فاطمة وزوجها في الانتقال طوال الأيام الأسبوع إلى منطقة القبة، التي ينحدر منها زوجها وتبعد مسافة 50 كيلومتراً من غرب مدينة درنة، والعودة الخميس والجمعة إلى منزلهما في درنة، لضمان استمرار دراسة أولادها من جهة، ومن جهة أخرى لتأكيد التمسك بالبقاء في منزلهم ومدينتهم رغم صعوبات الحياة.
كما تفكر حويل في نقل أحد أولادها للدراسة في جامعة مدينة البيضاء، إذ يستبعد أن تستأنف جامعة درنة الدراسة وتفتح أبوابها أمام الطلاب، بسبب شغل فرق تابعة لحكومة مجلس النواب بعض مبانيها.
ويحاول أبناء المدينة العودة إلى حياتهم الطبيعية، رغم وجود مجموعة مخاطر قد تزيد تعقيدات الكارثة في حال عدم تداركها، ومنع عرقلتها الجهود المبذولة لبعث الحياة مجدداً في المدينة.
وبخلاف التضامن الاجتماعي الذي أبداه جميع الليبيين مع درنة وفاجعتها، فشل التفاعل الذي أبدته الحكومتان في طرابلس وبنغازي في تبديد مخاوف السكان، ويعتبر سكان كثيرون أن الانقسام السياسي أثر سلباً أو حتى عطّل بالكامل جهوداً كثيرة كان يمكن أن تغيّر الواقع الميداني الحالي، وهو ما يؤيده فايز الدرة، أحد سكان حي الجبيلة بدرنة، في حديثه لـ"العربي الجديد".
وتختلف الرؤى والتصورات في شأن إعادة إعمار درنة. ودعت الحكومة المكلفة من مجلس النواب في بنغازي إلى تنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار درنة في أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أما حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس فطالبت بأن يرعى البنك الدولي ملف إعادة الإعمار.