الخيمة الخضراء... ملتقى ثقافي اجتماعي رمضاني في قطر
أسامة سعد الدين
من خلال ندوات إلكترونية، يُنفّذ برنامج "الخيمة الخضراء" جدوله هذا العام. فجائحة كورونا التي عطّلت اللقاءات الحضورية باختلاف طبيعتها حول العالم، لم توفّر قطر التي تلتزم بتدابير وقائية صارمة.
كما في كل عام، تُنظَّم فعاليات "الخيمة الخضراء" في قطر في شهر رمضان الجاري، من قبل برنامج "لكل ربيع زهرة". لكنّ المختلف للعام الثاني على التوالي، هو أنّها تُعقَد عبر تقنية الاتصال المرئي، نظراً إلى الإجراءات الاحترازية المتّخذة لمواجهة انتشار فيروس كورونا الجديد في البلاد. وهذه "الخيمة" انضمّت إلى الطقوس القطرية الخاصة برمضان قبل 15 عاماً، فصارت ملتقى ثقافياً واجتماعياً وبيئياً رمضانياً للمواطنين والمقيمين. وعن بدايات هذه الفعاليات ومدى تجاوب المجتمع معها، يقول رئيس برنامج "الخيمة الخضراء" سيف الحِجري لـ"العربي الجديد" إنّ "البرنامج انطلق في عام 2006، وذلك في السنة الثامنة من عمر البرنامج الأمّ لكل ربيع زهرة. وقد عُدّ نافذة ثقافية له، فاهتم بالقضايا المحلية والإقليمية والعالمية من خلال استضافة خبراء ومهتمين، بصفته وسيطاً لنشر المعرفة والتزويد بالخبرات والإجابة عن التساؤلات. وتبيّن إحصائياً أنّ عدد المستفيدين تزايد، ومن الممكن ملاحظة ذلك من ضمن مخطط المستفيدين من البرنامج الأمّ لكل ربيع زهرة، إذ وصل إجمالي عددهم إلى 283 ألف شخص".
وعن الموضوعات التي يناقشها برنامج "الخيمة الخضراء" ومن يختارها، يوضح الحِجري أنّ "البرنامج ناقش معظم المواضيع المهمة على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية، من خلال استضافته مفكرين واختصاصيين وصنّاع قرار. أمّا في ما يخصّ العناوين، فيقدّم فريق العمل موضوعات متنوعة، وبحسب الأهمية محلياً وإقليمياً وعالمياً يتمّ الاختيار وصولاً إلى وضع الجدول". ويوضح الحِجري أنّ "البرنامج يعتمد منذ انطلاقه على الاتصال المباشر، مستعيناً بالمواطنين والمقيمين. ومع بروز جائحة كورونا في العام الماضي، توسعت دائرة البرنامج لجهة موضوعاته وضيوفه، فاكتسبت الموضوعات صفات تنحو إلى العالمي والمشترك الإقليمي والمحلي، خصوصاً مع اعتماد تقنيات سهّلت التواصل بالصوت والصورة".
وقد شملت فعاليات "الخيمة الخضراء" قضايا اقتصادية واجتماعية وصحية ذات بعد إسلامي وإنساني، من بينها ثلاث ندوات تناولت الدور الذي لعبه الوقف الإسلامي في مختلف أوجه الحياة في المجتمع القطري والمجتمعات الإسلامية والإنسانية. وقد أكدت ندوة أتت تحت عنوان إسهامات الوقف في جودة الحياة وكرامة الإنسان، أهمية دوره في القضاء على الفقر والجوع وتعزيز الصحة السليمة والرفاه الاجتماعي وتوفير التعليم الجيد والعمل اللائق وتحقيق النموّ الاقتصادي. وقد دعا العلماء والباحثون المشاركون إلى إنشاء صندوق للوقف الصحي، يُخصَّص جزء منه للوقاية من فيروس كورونا الجديد ولأبحاث الأمراض الانتقالية، وتكون له إدارة مختصة للتخفيف من أثر الجائحة على الأوضاع الاقتصادية والصحية والاجتماعية للدول التي تشهد انتشار الفيروس على نطاق واسع، مشيرين إلى أهمية أن يعمل القائمون على الأوقاف الإسلامية على استثمار أموال الوقف لتعظيم الاستفادة منها في المجالات التي أوقفت من أجلها".
وسلّطت إحدى الندوات الضوء على أثر المخطوطات العربية والإسلامية على الموروث المعرفي، فيما تناولت أخرى فجوات الاقتصاد الرقمي في العالم العربي والتحديات والطموح. وخُصّصت ندوتان للحديث عن جائحة كورونا، وفي إحداهما "لقاح كوفيد-19 بين القبول والرفض والتردد"، أكد المشاركون أهمية التحصين باللقاح المضاد لكوفيدـ19 حفاظاً على سلامة الفرد والمجتمع وعدم الالتفات إلى ما يُروَّج من أخبار زائفة حول عدم الفعالية والآثار الجانبية. وفي هذا السياق، أكد وزير الصحة القطري الأسبق عبد الرحمن بن سالم الكواري أنّ حماية المجتمع من انتشار الوباء، خصوصاً مع ظهور متحوّرات للفيروس، تتطلب تحصين ما بين 60 و70 في المائة من أفراده. فالتحصين يساهم في وقاية الشخص الحاصل على اللقاح، بالإضافة إلى محيطه الذي يتعامل معه، وبلوغ نسبة 70 في المائة من المناعة كفيلة بتحصين المجتمع. أضاف الكواري أنّ التجارب مع لقاحات الأمراض السارية السابقة أثبتت فاعليتها في الحدّ من الأمراض وانتشارها، مشيراً إلى ضرورة تجاوز الأخبار التي تشكّك في مصداقية الشركات المنتجة للقاحات وفعالية التحصين. وشدّد على أنّ التردد في أخذ اللقاح والتوتر والقلق، كل ذلك يعود إلى المعلومات المضللة ونظريات المؤامرة والأخبار الكاذبة والشائعات التي يرددها بعض الناس من دون سند علمي.
وكانت كذلك ندوة حملت عنوان "الدوحة عاصمة الثقافة الإسلامية (ثقافتنا نور)"، شارك فيها أكاديميون ومفكرون وشعراء أكدوا جدارة الدوحة لتكون عاصمة للثقافة الإسلامية. وتحدّثوا عن دور قطر في خدمة ونشر الثقافة الإسلامية، وأهمية إنعاش وتخليد الأمجاد الثقافية وإبراز المضامين والقيم الإنسانية للحضارة الإسلامية، وكذلك أثر الحضارة الإسلامية على النهضة العلمية في العالم، وتعزيز الحوار بين الثقافات، وإشاعة قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب.
تجدر الإشارة إلى أنّ منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة "إيسيسكو" كانت قد وضعت برنامج "عاصمة الثقافة الإسلامية" منذ عام 2005، على أن تُحدد سنوياً ثلاث مدن إسلامية، بواقع مدينة واحدة عن كلّ واحدة من المناطق. ووقع الاختيار في عام 2021 على الدوحة عن العالم العربي، وبانغول (في غامبيا) عن أفريقيا، وإسلام أباد (في باكستان) عن آسيا. وتمتد فعاليات هذا البرنامج طيلة العام، وقد أعلنت الدوحة في هذا الإطار إقامة نحو 500 فعالية في خلال العام الجاري تحت شعار "ثقافتنا نور" سعياً إلى التشجيع على الإبداع والابتكار، وتعزيز الموروث الثقافي الإسلامي، والترويج للقيم الإسلامية القائمة على العلم والكرامة الإنسانية، والتركيز على التنوع الثقافي كقيمة مضافة للدول الإسلامية وللثقافة الإسلامية عامة، كذلك التعريف بالتجربة الثقافية لدولة قطر وجهودها لتعزيز الثقافة الإسلامية.
وفي خلال الندوة، قالت الشاعرة العُمانية هاشمية موسوي إنّ الثقافة في قطر ليست أدبيات نظرية لحضارة من الحضارات أو أمّة من الأمم، بل هي واقع يُعاش ونظام وطريقة تفكير وسلوك يمارس في الحياة اليومية. وأكّدت سعي قطر الدائم إلى نشر الثقافة الإسلامية بمدّ يد العون إلى المجتمعات المحتاجة في خارج حدودها إلى مختلف الأجناس والأعراق، إلى جانب سعيها إلى نشر السلام والأمن ونزع فتيل الحرب وإصلاح ذات البين وفضّ الخصومات في مختلف دول العالم، بالإضافة إلى مساهماتها المحلية والإقليمية إنسانياً واجتماعياً وثقافياً وجهود مؤسساتها البحثية والثقافية والعلمية.
من جهته، أشاد المستشار الأول في السفارة الفلسطينية في الدوحة، يحيى زكريا الأغا، بالفعاليات التي تنظمها قطر لا سيّما المتعلقة بالدوحة كعاصمة للثقافة الإسلامية، خصوصاً أنّها تستند إلى تنمية الفكر البشري وبناء الشخصية والنهوض بالمجتمع والوطن، مشيراً إلى أنّ مثل هذه الفعاليات تحتاج إلى التميّز في التفكير والتنوع في الحركة الثقافية. أضاف الأغا أنّ الدوحة أمام تحد كبير لإبراز صورتها الواقعية بما تمثّله من واحة علمية وفكرية عالية القيمة ترتكز على بناء الإنسان من خلال مراكزها الثقافية الريادية، والمتاحف عالمية المستوى، ودورها في نشر الفنّ والفكر والإلهام، والحي الثقافي كتارا والنادي العلمي والجامعات النوعية والمختبرات العلمية بما تقدمه من ابتكارات تعزّز الهوية العربية الإسلامية ودورها في بناء الشخصية القطرية.