الحكومة الصينية "خاطبة زواج" لإعادة التوازن

25 فبراير 2022
خطط للحكومة الصينية لحث الشباب على الزواج (يوهانس ايسيلي/ فرانس برس)
+ الخط -

أدى تراجع معدلات الزواج والمواليد الجدد في الصين إلى ازدهار ما يُعرف بـ "أسواق الزواج"، وهي نشاطات اجتماعية تنظم في حدائق وميادين عامة يلجأ إليها الشباب للعثور على زوجة في ظل الاختلال الكبير بين الجنسين (10 ذكور في مقابل أنثى واحدة)، والذي يشكل نتيجة طبيعية لسياسة الطفل الواحد التي انتهجتها السلطات الصينية على مدار أربعة عقود.
وتتجمع مئات من الأسر التي ترغب في تزويج أبنائها وبناتها في السوق، حيث تعرض لافتات وصور تتضمن معلومات عن الشاب الراغب في الزواج مثل: العمر والطول والوزن والوظيفة التي يشغلها، والأجر الشهري الذي يحصل عليه، في حين يتواجد عدد أقل من أسر الفتيات اللواتي يرغبن في الزواج، لاختيار شريك حياة تتطابق مواصفاته مع الشروط التي تحددها الأسرة مسبقاً، مثل امتلاك منزل وسيارة وأجر شهري لا يقل عن حدّ معين.
وتواجدت هذه الأسواق وانتشرت في السنوات الماضية، لكن الحكومة شرعت منذ مطلع العام الحالي في تمويل وتشجيع هذه النشاطات عبر تشكيل لجان خاصة من شباب الحزب الشيوعي (الشبيبة الشيوعية)، وذلك بعدما دق خبراء ناقوس الخطر محذرين من أزمة ديمغرافية تهدد الدولة.

يعمل ماو يينغ في شركة لتكنولوجيا المعلومات بمقاطعة شاندونغ، ووجد نفسه مضطراً إلى اللجوء إلى فعالية نظمتها "الشبيبة الشيوعية" في منطقته للعثور على شريكة حياة، وذلك بضغط من أهله بسبب تقدمه في السن. ويقول لـ"العربي الجديد": "لم أتصور سابقاً أنني سأتزوج بهذه الطريقة، لكن انشغالي الدائم وانحسار فرص العثور على زوجة بسبب قلة الخيارات المتاحة، دفعاني إلى اتخاذ هذه الخطوة". يضيف: "هناك هامش كبير من الأمان في أسواق الزواج التي ترعاها الحكومة، فكل البيانات والمعلومات موثقة ودقيقة، ولا مجال للتلاعب الذي يمارسه سماسرة عادة في هذه المناسبات". 
وعن طبيعة الأنشطة داخل "سوق الزواج"، يوضح ماو أن "الهدف هو التوفيق بين طرفين ما دمنا نتحدث عن عرض وطلب، لكن ما يميز ذلك تنظيم مسابقات وألعاب جماعية لكسر الجمود، والإفساح في المجال أمام الأفراد لإظهار شخصياتهم والتصرف بتلقائية وعفوية، ما يسهّل عملية الانجذاب والقبول بين الجنسين". ويلفت إلى أنه تبادل خلال زيارته الأولى للسوق بيانات للاتصال بثلاث فتيات تتوفر فيهن الشروط والمواصفات، ويتوقع بعد المفاضلة بينهن أن يتزوج إحداهن الصيف المقبل.
من جهته، يقول لو يانغ، الموظف في العقد الثالث والذي يعمل في العاصمة بكين، لـ"العربي الجديد": "لا وقت لدي لأجد شريكة حياة، كما أن جميع الفتيات اللواتي يعملن معي في الشركة متزوجات، لذا أقصد أسواق الزواج بأمل العثور على عروس. يتابع: "لم أحتج إلى وقت طويل لتسجيل بياناتي في تطبيق إلكتروني، ثم تلقيت اتصالاً للمشاركة في نشاط بحديقة تشياويانغ حيث التقيت فتاة تبادلت الحديث معها، ونحن الآن في طور التعرف أكثر على بعضنا البعض، قبل اتخاذ قرار الارتباط".

مكتب لتسجيل الزواج في شونغبينغ (Getty)
مكتب لتسجيل الزواج في شونغبينغ (Getty)

وحول الدور الذي تلعبه هذه الأسواق في التوفيق بين الأزواج والأسباب التي تدفع الحكومة للعمل مثل "خاطبة"، يقول الباحث الاجتماعي تيان شانغ لـ"العربي الجديد": "خلقت طبيعية الحياة الصناعية في البلاد فجوة كبيرة في العلاقات الاجتماعية، وأدت إلى تراجع مفاهيم الحب والأسرة وعش الزوجية، ما مهّد لأزمة حقيقية على صعيد اختلال التوازن بين الجنسين، بسبب سياسات تحديد النسل. والآن تطبق الحكومة هذه البرامج، في إطار خططها لحث الشباب على الزواج وإنجاب مزيد من الأطفال لمواجهة ارتفاع معدلات الشيخوخة وتراجع نسبة القوى العاملة".
ويوضح أن "نسبة العنوسة في الصين بلغت 77 في المائة العام الماضي، في حين شهد الإقبال على الزواج أدنى مستوى منذ تأسيس الصين الحديثة، ويعود ذلك إلى فتور العلاقات العاطفية وغياب المناسبات الاجتماعية تحت وطأة ظروف العمل الطويلة والشاقة بالنسبة إلى الذكور والإناث معاً في مجتمع تجاوز قيمه الاشتراكية وتحوّل بالكامل نحو الرأسمالية".
يتابع: "في حال استمر الوضع على حاله، سنكون أمام مجتمع ذكوري بامتياز"، مستبعداً أن تساهم القرارات التي اتخذتها الحكومة للسماح بإنجاب الأسر طفلاً ثالثاً، وتقديم حوافز مادية للأزواج، في حل هذه الأزمة.
وكانت السلطات الصينية قد أنهت عقوداً من الضوابط الصارمة لتنظيم الأسرة، حيث أعلنت في مايو/ أيار الماضي أنه يمكن أن ينجب الأزواج ثلاثة أطفال، وطرحت ما عُرف بـ "فترات هدنة" للأزواج الراغبين في الطلاق قبل المصادقة رسمياً على القرار. كما حددت في بعض المناطق الريفية نسبة المهر كي يستطيع جميع الشباب الزواج. وتهدف كل هذه القرارات إلى الحدّ من تفاقم أزمات اجتماعية ملحة بسبب العزوف عن الزواج والإنجاب وارتفاع معدلات الشيخوخة وتراجع أعداد المواليد الجدد، وهو أمر بات يقلق ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.

ويشير المكتب الوطني للإحصاء إلى تراجع معدلات الزواج في أنحاء البلاد بطريقة غير مسبوقة. ففي عام 2020، جرى تسجيل 8.14 ملايين زواج مقارنة بـ 13.47 مليوناً عام 2013 .وفي غضون ذلك، انخفضت معدلات المواليد خلال العام الماضي إلى 7.5 مواليد لكل ألف شخص، وهو أدنى رقم منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949.

المساهمون