قدّمت الحكومة البريطانية اليوم الأربعاء مشروع قانون جديد إلى مجلس العموم ينصّ على استبدال قانون حقوق الإنسان الذي أقرّه "حزب العمل" عام 1988، بما يسمح للمملكة المتحدة بتجاهل أحكام وقرارات المحكمة الأوروبية. ويأتي التشريع الذي أعلن عنه وزير العدل البريطاني دومينيك راب بعد أسبوع من تدخّل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لإيقاف ترحيل ثمانية لاجئين كان من المقرّر الإقلاع بهم إلى رواندا.
ويمنح التشريع الجديد البرلمان سلطة أكبر من سلطة القضاء، بحيث تكون لمجلس العموم الكلمة الأخيرة، كما يجعل من القرارات الصادرة عن المحاكم البريطانية أعلى من تلك التي تصدرها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في ستراسبورغ. وفيما يرى راب أن هذا التشريع يمثّل إصلاحاً من شأنه أن "يعزّز حرية التعبير"، يعتبر المعارضون للحكومة والناشطون الحقوقيون أنه يمثّل خطوة إلى الوراء في تاريخ العدالة البريطانية وانتهاكاً لسلطة المحاكم والقضاء. ويواجه دومينيك راب مطالب من 150 منظمة للسماح بتدقيق برلماني مفصّل للتشريعات التي من المتوقع أن تحل محل قانون حقوق الإنسان.
ويعبّر الموقّعون على الرسالة الموجّهة لوزير العدل عن قلقهم من أن يغيّر التشريع الجديد التوازن بين حرية التعبير والخصوصية، وأن يؤثّر على حقوق الناس لسنوات عديدة من دون أن تتمكّن حكومات مستقبلية من تعديله. وفي ما يعزّز مشروع القانون من حرّية التعبير وحرية الصحافة، يبدو أنه يضيّق حرية أي شخص عادي آخر. واعتبرت مارثا سبوريير مديرة منظمة "ليبرتي" لحماية الحريات المدنية والتي تقود الحملة ضد مشروع القانون، أن "الحكومة الحالية تحاول الاستيلاء على السلطة" لأن القانون الحالي "يحمي الجميع من الظلم ومن إساءة استخدام السلطة كما يتيح للمواطن التصدي للقرارات المجحفة التي تتّخذها الحكومة أو المؤسسات الأخرى كالشرطة والمجالس المحلية".
وسيتم وفقاً لمشروع القانون تقليص الخصوصية التي يضمنها النمط الأوروبي والتدقيق في زيف بعض المطالب والشكاوى المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان. وبشكل أساسي ستضمن الوثيقة الجديدة ألا تكون الأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ملزمة للمحاكم البريطانية، بما فيها الأحكام التي منعت ترحيل اللاجئين إلى رواندا قبل أسبوع. وتقترح وثيقة راب التدقيق في "الادعاءات الزائفة" التي يقدّمها "مجرمون" أجانب، مستفيدين من المادة 8 من قانون حقوق الإنسان التي تنصّ على "الحق في احترام الحياة الخاصة والعائلية" لكل فرد، إذ "لا يجوز لأي سلطة عامة أن تتدخل في ممارسة هذا الحق إلا بما يتوافق مع القانون ولما يفرضه الأمن القومي أو السلامة العامة أو الرفاه الاقتصادي للبلاد، للوقاية من الفوضى أو الجريمة أو لحماية الصحة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم".
من جهة أخرى، من المرجّح أن يصعّب مشروع القانون اتّخاذ ضحايا الظلم إجراءات ضد الحكومة في قضايا حقوق الإنسان كما أن إقدامهم على رفع قضية كاملة أمام المحكمة العليا على أساس حقوق الإنسان، سيفرض عليهم إثبات معاناتهم من "ضرر كبير جداً"، أي أن مشروع القانون يمنح الدولة سلطة أكبر غير مقيدة على الشعب.
من جهتها، قالت وزيرة العدل في حكومة الظلّ إيلي ريفز إن "اليوم هو يوم مظلم بالنسبة لضحايا الانتهاكات"، واصفة الحكومة بـ "المنافقة" لأنها تدافع عن حقوق الإنسان في أوكرانيا وتنتزع تلك الحقوق من المقيمين على أراضيها. كما اعتبرت ريفز أنه من المعيب والمخجل بالنسبة لبعض أعضاء "حزب تشرشل" المطالبة بالانسحاب من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
وكان راب قد أكّد للصحافة في حديث سابق عدم نية الحكومة الانسحاب من الاتفاقية الأوروبية مع التمسك بالتشريع الجديد الذي يحجّم دور المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في القرارات التي يتّخذها البرلمان.
ويواجه مشروع القانون "معركة" الآن في مجلس العموم. ولو تمّ تمريره، فمن المرجّح أن يواجه معركة أخرى في مجلس اللوردات. وفي انتظار تصويت البرلمان عليه، يبقى أنه لا يمكن ولا بأي شكل من الأشكال فصل مشروع القانون الجديد هذا عن السياق العام الذي يعيشه اليوم ملفّ الحقوق والحريات في المملكة المتحدة.
كما لا يمكن النظر إليه بمعزل عن طائرة الترحيل التي أوقفتها في اللحظة الأخيرة قبل إقلاعها إلى رواندا، محكمة أوروبية وليس بريطانية. يصعب أيضاً عدم الربط بين القرار وبين "بريكست" والتداعيات المستمرة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون اتّفاق. وبالطبع، ليس القرار بعيداً تماماً عن التعديل الذي أجراه رئيس الحكومة بوريس جونسون قبل أسبوعين على القانون الوزاري متيحاً لأعضاء الحكومة "خرق القوانين" والاكتفاء بالاعتذار بدلاً من التنحّي.