الحكومة البريطانية تخوض "حرباً" ضدّ الهاربين من الحروب

06 مارس 2023
مهاجرون نقلهم خفر السواحل البريطاني إلى الشاطئ خلال عبورهم بحر المانش (دان كيتوود/ Getty)
+ الخط -

بعد ساعات فقط من الإعلان عن "وثيقة وندسور" التي طوت ثلاثة أعوام من النزاع حول بروتوكول أيرلندا الشمالية وترتيبات التجارة مع الاتحاد الأوروبي بعد "بريكست"، أعلن رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك عن نيّته طرح تشريع جديد هذا الأسبوع بشأن عبور مراكب المهاجرين وطالبي اللجوء بحر المانش (القناة الإنكليزية)، على أن يُصار إلى تمريره من خلال البرلمان بحلول سبتمبر/أيلول المقبل.

وسبق لسوناك أن "توعّد"، في كلمته الافتتاحية لعام 2023، الفارّين من الحروب والقمع بالاعتقال ثمّ الترحيل إلى رواندا أو إلى بلدانهم الأصلية، من ضمن خطّة عمل تنطوي على وعود اقتصادية داخلية بالإضافة إلى ملف اللجوء. وبعد أن حصد سوناك نصيباً "استثنائياً" من المديح عقب إعلانه عن "وثيقة وندسور" الأسبوع الماضي، يحصد اليوم نصيباً "استثنائياً" أيضاً من الذمّ والانتقادات بسبب القوانين الجديدة التي من المرجّح أن يعلن عنها يوم غدٍ الثلاثاء، والتي سوف تتيح للحكومة اعتقال وترحيل "جميع طالبي اللجوء الواصلين إلى شواطئ المملكة المتحدة عبر مراكب صغيرة".

وأفادت مصادر مطّلعة "العربي الجديد" بأنّ الخطة التي ينوي سوناك تمريرها تهدف إلى منع نحو 60 ألف شخص سنوياً من الدخول إلى المملكة المتحدة، واصفة إياها بأنّها "راديكالية" جداً، إذ تتيح للحكومة احتجاز الأطفال دون السنّ القانونية بغضّ النظر عمّا إذا وصلوا بمفردهم أو مع أفراد من عائلاتهم. كذلك فإنّها سوف تحظر الأشخاص المحتجزين والمرحّلين من العودة إلى المملكة المتحدة "مدى الحياة". 

وكانت محكمة لندن العليا قد رفضت خطة الحكومة البريطانية ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا قبل نحو شهرَين، بعد أن تدخّلت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في شهر يونيو/حزيران الماضي لمنع طائرة الترحيل الأولى من التحليق قبل لحظات قليلة من إقلاعها. لكنّ حكومة المحافظين لوّحت، في أكثر من مرّة، باحتمال انسحابها من المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وسط انتقادات حادّة في صفوف الحزب. يُذكر أنّ خطة سوناك تهدف إلى تعديل تشريعات حقوق الإنسان في المملكة المتحدة لمواجهة أيّ "طعون قانونية" من هذا النوع مستقبلاً.

وبحسب توقّعات المجلس البريطاني للاجئين، سوف يُصار إلى "اعتقال واحتجاز" أكثر من 65 ألف طالب لجوء هذا العام أكثر من 28 يوماً، في حال تمرير التشريعات الجديدة، أي ما يعادل أربعة أضعاف سعة منطقة الاحتجاز الحالية. وسبق لوزيرة الداخلية سويلا برافرمان أن تعرّضت لانتقادات عنيفة في العام الماضي على خلفية "فضيحة" مركز مانستون لاستقبال المهاجرين في مقاطعة كينت، إذ احتُجز أكثر من 4.500 مهاجر طالب لجوء لأكثر من شهر في المركز المصمّم لاستيعاب 1.600 شخص فقط ولفترة زمنية لا تتعدّى 24 ساعة، وسط انتشار أمراض معدية مثل الدفتيريا (الخنّاق) والجرب والحمّى القرمزية.

ووصف الرئيس التنفيذي لمجلس اللاجئين إنفر سولومون خطة سوناك بأنّها "تدميرية"، إذ إنّها تسيء إلى التزام المملكة المتحدة طويل الأمد بمنح طالبي اللجوء فرصة الحصول على هذا الحقّ القانوني "بغضّ النظر عن المسار الذي سلكوه للوصول إلى شواطئنا".

من جهتها، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في وقت سابق أنّ "الحظر الشامل على طلب اللجوء في المملكة المتحدة لأولئك الذين يصلون على متن مراكب صغيرة، من شأنه أن ينتهك اتفاقية اللاجئين لعام 1951"، مشدّدة على أنّه "لا شيء يسمّى طالب لجوء غير قانوني" وأنّ "لكلّ شخص الحقّ في اللجوء (هرباً) من الاضطهاد في بلد آخر". 

وفي هذا الإطار، قال متحدث باسم وزارة الداخلية البريطانية لـ"العربي الجديد" باختصار: "لقد أوضحت وزيرة الداخلية سويلا برافرمان أنّ أيّ شخص يصل إلى المملكة المتحدة بطريقة غير قانونية، لن يُسمح له بالبقاء على أراضينا وسوف يُرحَّل على الفور إلى بلد ثالث آمن، أو يُعاد إلى بلده الأصلي". يُذكر أنّ المتحدّثين لا يملكون الصلاحية للإفادة بأكثر من هذا.

ومن المقرّر أن تُعقَد في باريس قمة بريطانية-فرنسية، يوم الجمعة المقبل، يلتقي في خلالها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ووزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان. وفي هذه القمّة التي تُعَدّ الأولى منذ أربعة أعوام، من المقرّر أن يُناقَش ملف المراكب الصغيرة الوافدة إلى شواطئ المملكة المتحدة عبر بحر المانش انطلاقاً من فرنسا.

في سياق متصل، عبّرت منظمات حقوقية عن قلقها البالغ من أن يؤدّي التشريع الجديد إلى احتجاز "غير إنساني ومكلف" لعشرات آلاف اللاجئين. تُضاف إلى ذلك شكوك عبّر عنها وزراء "محافظون" حول مدى "صلاحية وجدوى" هذه الخطط، خصوصاً أنّها تأتي قبل التوصل إلى اتفاق مع الجانب الفرنسي يمنع عبور القوارب الصغيرة والسيطرة عليها من نقطة الانطلاق قبل أن تصل إلى شواطئ المملكة المتحدة.

تصف الرئيسة التنفيذية لمنظمة "التحرر من التعذيب" سونيا سكيتز، في اتصال مع "العربي الجديد"، مشروع القانون الجديد بـ"الانتقامي"، خصوصاً أنّ الحكومة تمنع وصول المهاجرين طالبي اللجوء عبر المسارات "غير القانونية" لكنّها لا تؤمّن في المقابل أيّ "طريق آمن" للهاربين من الحروب والمخاطر.

بالنسبة إلى سكيتز، فإنّ سوناك يحرّك قضية المهاجرين اليوم في محاولة للتغطية على "الفضائح" المتكررة التي تُغرق "المحافظين"، ولعلّ الأخيرة منها الإدانة المبدئية التي أعلنت عنها لجنة الامتيازات قبل يومَين، مؤكدة أنّ الزعيم السابق بوريس جونسون ضلّل البرلمان "أكثر من مرّة عمداً". وتقول سكيتز: "في كلّ مرة تُثار فيها فضيحة جديدة أو متجدّدة ضد حكومة المحافظين، يعود ملفّ الهجرة إلى الواجهة لتشتيت الناخبين وصرف انتباههم عن المآزق الحقيقية، في سعي إلى الوصول إلى الانتخابات العامة المقبلة".

ومن المرجّح أن تواجه الحكومة عقبات قانونية كثيرة بشأن هذه القضية، وسط مخاوف من أنّها سوف تمثّل انتهاكاً إضافياً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. لكنّ سوناك لمّح إلى ثغرات قانونية في التشريعات الحقوقية الخاصة بالمحكمة الأوروبية، سوف تسمح للحكومة بـ"التحايل" على بنودها.

تجدر الإشارة إلى أنّ أزمة كورونا الوبائية، ثمّ ما تلاها من غزو روسي لأوكرانيا وتداعيات ذلك الغزو الاقتصادية، بالإضافة إلى سياسات حكومات حزب المحافظين المتعاقبة منذ 13 عاماً، كلّها أثّرت بطريقة سلبية على ملفّ الهجرة. فقد وصل تراكم طلبات اللجوء إلى مستوى قياسي، مع انتظار أكثر من 160 ألف مهاجر قرار وزارة الداخلية. كذلك فإنّ 97 في المائة من الذين وفدوا إلى المملكة المتحدة في عام 2022 الماضي ما زالوا ينتظرون قراراً بشأن طلباتهم، في حين أنّ 83 في المائة من مقدّمي الطلبات منذ عام 2018 ينظرون البتّ فيها.

المساهمون