يُجمع أتراك ومتابعون على أن موضوع حق النساء في الحجاب يأخذ دوراً تصاعدياً مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقررة في يونيو/ حزيران المقبل، "ليس لأنه موضوع خطير، بل لأنّ إعادة إثارته تشكل طريقاً لزيادة شعبية أحزاب، وربما كسب أصوات في الصناديق"، كما تقول سيمرا أردول لـ"العربي الجديد" التي تعتبر أنّ "إغلاق الموضوع في شكل نهائي، وإلغاء المتاجرة السياسية به يحتمان ربطه بقانون دستوري".
ليست أفغانستان أو إيران
وترى السيدة الخمسينية التي تقيم في منطقة أيفان ساراي بحي الفاتح، أنّ "تركيا يجب أن تخرج نهائياً من جدل حق النساء في الحجاب، عبر إدراجه في الدستور". وتقول: "ليست تركيا أفغانستان حيث تمنع حركة طالبان تعليم المحجبات، وليست أيضاً إيران التي أغلقت أخيراً مركزاً تجارياً يضم عشرات المحلات في محافظة قم، حيث يعمل 700 شخص، بحجة مخالفته قواعد اللباس، إنها دولة علمانية ودولة قانون، ويملك جميع مواطنيها حق ممارسة معتقداتهم واختيار اللباس الذي يريدونه، وأنا غير محجبة لكنني لا أقبل بإبعاد المحجبات عن أي مكان، كما لا أقبل بفرض الحجاب في أماكن محددة، وأعارض فتح ملفات جدلية حول الحجاب قبل كل استحقاق سياسي لاستخدامه في العزف على عواطف الجمهور".
في المقابل، تعتبر أوزلام آرال التي تسكن في منطقة درامان بحي الفاتح، في حديثها لـ"العربي الجديد"، أن "قضية حق النساء في الحجاب ستبقى موضع أخذ ورد طالما تخضع لقرار من يتولون السلطة. فإذا أتى مثلاً حزب علماني قد يحد من حرية المحجبات وحقوقهنّ، وإذا أتى حزب محافظ سنرى دعماً معاكساً، لذا يتمثل الحل بإدراج حق النساء في الحجاب في الدستور، من أجل إنهاء الجدل القائم".
وتضيف أوراك التي تلتزم وضع الحجاب: "ليس الحجاب في تركيا طقساً اجتماعياً ومعتقداً دينياً، ويختلف عن سواه في الدول العربية والإسلامية. هنا قد تلبس امرأة محجبة قميصاً بأكمام قصيرة، وتسير أخرى منقبة إلى جانب ابنتها السافرة. مشهد المجتمع التركي يعكس حالة صحية واجتماعية مهمة وراقية، والأفضل حسم الأمر وتركه كحرية وقرار شخصي". وتلفت السيدة الأربعينية إلى أن "التقييم بتركيا لا يحصل أبداً وفق اللباس أو الحجاب، حتى خلال الاقتران والزواج، كذلك لا يمكن الاستدلال على مدى الالتزام الديني من خلال اللباس فقط. لدينا عادات اجتماعية مستمدة من البيئة، وتختلف من ولاية إلى أخرى".
وكان الرئيس رجب طيب أردوغان قد أعاد التلويح أخيراً بتنظيم استفتاء شعبي حول ربط حق النساء في الحجاب بضمانة دستورية، بخاصة في مؤسسات الدولة والمدارس والجامعات، وقال: "لنخضع الموضوع لاستفتاء، وندع الأمة تتخذ القرار".
ويقول الباحث باكير أتاكجان لـ"العربي الجديد": "الحجاب اليوم، بخاصة في الدوائر الرسمية وقطاع الجيش، محمي بقرار إداري وليس بحق دستوري دائم، ما يعني الإلغاء أو التقييد في حال وصول حزب علماني إلى السلطة، وإن قرر تطبيق رؤيته المعينة للأمر. لذا، يبدو الرئيس أردوغان مصمماً على إدراج المسألة في الدستور، لكنه لا يتوقع أن يمرره في البرلمان، لأن أصوات نواب حزب العدالة والتنمية الحاكم وأولئك المنتمين إلى حليفه في الحكومة، حزب الحركة القومية، لا تتجاوز 326، فيما يجب أن يحصل مشروع القانون على 400 من أصل 550 ليحصل على الغالبية الساحقة، ويدخل ضمن مواد الدستور. لذا، استعاد الرئيس أردوغان الحديث عن احتمال اللجوء إلى الشارع، وتنظيم استفتاء شعبي".
ويرجح أتاكجان إمكان تنظيم استفتاء شعبي على إدراج حق النساء في الحجاب في الدستور، "لأن قرار الاستفتاء يحتاج إلى أصوات النصف زائداً واحداً في البرلمان، لا إلى غالبية ساحقة، وأعتقد أن معظم الأتراك يؤيدون صون هذا الحق، ويدافعون عن حرية الحجاب في كل الأماكن، بينهم أنصار حزب الجيد والشعوب الديمقراطي، وكلاهما ينتمي إلى المعارضة".
ويلفت إلى أن "قضية حق النساء في الحجاب اليوم تختلف بالمطلق عن فترة التسعينيات من القرن العشرين أو بعده، فحتى عام 2013 منع الحجاب في بعض الأماكن، مثل البرلمان ومباني الجيش وبعض الجامعات والمدارس. أما اليوم، فغالبية الظن أن الشارع سيصوّت لهذا الحق في الدستور، خاصة بعد لجوء أحزاب المعارضة أيضاً إلى استخدام هذا الحق ضمن توجهاتها وحملاتها الانتخابية".
ولا بدّ من الإشارة إلى أن قضية الحجاب "كانت بين أسباب وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002. من هنا يرى مراقبون أن إعادتها مجرد تسخين للموضوع، رغم أن هموم الأتراك اليوم اقتصادية، ولا مشكلة لدى الأسر والمجتمع في الحجاب. وتفيد استطلاعات للرأي بأن الميل إلى عدم الانشغال بالأديان يفوق ما كان عليه في السابق".
أخطاء الماضي
وكان رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كيلجدار أوغلو، قد أثار موضوع الحجاب حين قال في مطلع أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: "ارتكبنا أخطاءً في الماضي في شأن حق النساء في الحجاب، ونرى أن الوقت حان لتجاوز هذا السؤال، وأن يتوقف السياسيون عن تناوله".
وتسأل الباحثة في جامعة محمد الفاتح، عائشة نور، في حديثها لـ"العربي الجديد": "ما دام قد اعتُرِف بأخطاء الماضي، فلماذا لا يقطع الطريق نهائياً على المنع أو التقييد؟".
وترى أن "حزب الشعب المعارض يريد تحقيق مكسب سياسي من خلال طرح موضوع حق النساء في الحجاب، لكنه لا يريد أن يأخذ هذا الأمر صفة الديمومة والصون الدستوري فزعيمه كمال كيلجدار اقترح طرح الموضوع على البرلمان لأنه يعلم أنه لا يمكن تمريره، في حين يرفض إجراء استفتاء شعبي عليه".
تضيف: "تبدو مخاوف بعض فئات المجتمع التركي مشروعة، إذ سبق لحزب الشعب العلماني أن قيّد الحريات والحقوق. من هنا لا ضمان لعدم تقييده لها مجدداً، أو حتى تشريعه زواج وحقوق المثليين في حال وصوله إلى السلطة مجدداً، إلا بوضع نص دستوري يمنع نسف البنية الاجتماعية التركية المعتدلة التي تتناسب مع الطبيعة الاجتماعية والمعتقدات الروحية للجميع، علماً أن حزب العدالة المحافظ الذي يتبوأ السلطة منذ 20 عاماً لم يتعرض للحقوق الشخصية لأحد".
الدستور والتفاصيل
لكن سياسيين آخرين ينتمون إلى أحزاب المعارضة، يرون أن "إدراج حرية الحجاب في الدستور أمر غريب، لأن الدستور نفسه يضمن في الأساس الحريات للجميع، ولا يجب أن يتدخل بالتالي بتفاصيل، سواء حول الألبسة أو المشروبات الروحية أو طقوس العبادة، وإلا يتعلق بمراحل حكم وطبائع الحكام الذي قد يؤدي إلى تعديل الدستور بعد كل تغيّرات في بنية السلطة".
في المقابل، يرى أتراك أن قضية الحجاب "لا بدّ أن تحسم عبر نص دائم لا يتغيّر بتغير شكل الحكم أو الحزب الحاكم"، ويستعيدون ذكريات التقلبات التي طاولت هذا الملف منذ عهد مؤسس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، حين أدرج الحجاب ضمن المحظورات، وصولاً إلى تصنيف المحجبات بأنهن متخلفات.
ويشير هؤلاء إلى فترة حظر النقاب، وكيف أخذ شكل قانون ملزم، بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه الجنرال كنان أفرين في ثمانينيات القرن الماضي، عبر منع المحجبات من العمل في مؤسسات الدولة، ودخولهن الجامعات والمؤسسات التعليمية.
وفشلت حكومة تورغوت أوزال في توسيع دائرة الحريات خلال عامي 1989 و1990، بما في ذلك حرية الحجاب في الدوائر الحكومية والجامعات من خلال تعديل اللوائح والقوانين، لأنّ المحكمة الدستورية ألغت هذه التعديلات بناءً على طلب أحزاب المعارضة اليسارية.
لذا، يسري شبه إجماع بتركيا اليوم، على سحب قضية حق النساء في الحجاب من يد الأحزاب، وإدراجها دستورياً لمن يشاء، ما يصرف الأحزاب، برأي الأتراك، إلى الاهتمام بمشاكل المواطن الاقتصادية وتطلعاته التنموية والعلاقات الخارجية التي يرون أنها تتبدل كثيراً في الآونة الأخيرة، مع توقع تشكيل ملامح جديدة للدولة في مرحلة الجمهورية الثانية.