استمع إلى الملخص
- تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل خطير بسبب منع إدخال المساعدات للأسبوع الرابع، مما أدى إلى وفاة نحو 40 طفلاً منذ بداية العدوان الإسرائيلي، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.
- الأوضاع الصحية والغذائية المتردية تضع الأطفال في مواجهة مباشرة مع الموت، مع تأكيد منظمات حقوق الإنسان والأطباء على الحاجة الماسة للمساعدات الغذائية والدوائية لإنقاذ حياتهم.
يتعرض الآلاف من أطفال قطاع غزة لأخطار عدة، وبعضهم مهددون بالوفاة بسبب النقص الكبير في توفر المواد الغذائية، ويعاني المئات منهم من سوء التغذية الحاد، وعدم توفر الرعاية الطبية.
يعيش أكثر من 3500 طفل دون سن الخامسة في قطاع غزة تحت التهديد من جراء تفشي سوء التغذية والجفاف، في حين يواجه عشرات الآلاف الجوع المتواصل بالتزامن مع توقف جميع المراكز الصحية تقريباً عن العمل، والاعتماد على عدد محدود من النقاط الطبية المتواجدة داخل مناطق تجمع النازحين.
وتعتبر هذه الفئة من الأطفال من أبرز المعرضين لخطر الموت في ظل نقص الغذاء وحليب الأطفال، وانعدام المكملات الغذائية، فضلاً عن نقص التطعيمات الدورية التي أصبحت على حافة النفاد بسبب منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع للأسبوع الرابع على التوالي.
وتشير أرقام وزارة الصحة في غزة إلى أن قرابة 40 طفلاً قضوا من جراء سوء التغذية منذ بداية العدوان الإسرائيلي، إضافة إلى أعداد أخرى لم يتم تسجيلها نظراً لأن ذويهم لم يتمكنوا من نقلهم إلى المستشفيات بسبب الحصار الذي يتعرضون له أو لخروج المستشفيات من الخدمة.
في 30 مايو/أيار الماضي، توفي الرضيع فايز محمد عطايا بسبب سوء التغذية قبل أن يكمل الشهر السادس من عمره، داخل مستشفى شهداء الأقصى بمدينة دير البلح، كما توفي في المستشفى نفسه الطفل عبد القادر السرحي (13 سنة) للسبب نفسه، وهما الحالتان اللتان تم توثيقهما في محافظة وسط القطاع، في حين معظم وفيات الأطفال سجلت في المنطقة الشمالية.
أكثر من 3500 طفل دون سن الخامسة في غزة مهددون بالموت
ولد الطفل فايز عطايا في السادس من ديسمبر/كانون الأول 2023، مع اشتداد أزمة النزوح وملاحقة القصف الإسرائيلي للغزيين في كل مكان، وكانت عائلته تعيش في مخيم البريج بالمحافظة الوسطى، واضطروا بعد ولادته للنزوح عدة مرات بين مناطق وسط القطاع وصولاً إلى منطقة المواصي.
يقول والده محمد عطايا لـ"العربي الجديد"، إن "فايز ولد طبيعياً رغم المخاطر التي كانت تحيط بوالدته قبل الولادة، وحين ولادته كان وزنه 3,5 كيلوغرامات، لكننا عشنا منذ أيامه الأولى صعوبات جمة لتأمين الحليب له، والغذاء لوالدته حتى تتمكن من إرضاعه، وكان الأمر غاية في الصعوبة خلال الشهر الذي شهد بداية نزوحنا عندما أمر جيش الاحتلال سكان المخيم بالإخلاء فوراً. ظهرت أعراض ضيق التنفس على طفلي، وأجريت له عملية جراحية في مستشفى بمدينة خانيونس، وبعدها كان يتلقى الرعاية في مستشفى شهداء الأقصى، لكن ظلت المشكلة تتمثل في عدم قدرتي على توفير الطعام لزوجتي حتى ترضعه، أو توفير الحليب المدعم بالعناصر الغذائية لطفلي".
يضيف: "قمت بمحاولات كثيرة لضمان تأمين الطعام والحليب، وكنت أحرم نفسي من الطعام في أيام عدة من أجل تأمينه لزوجتي، لكن طفلي ظل يتقلص وزنه حتى وصل إلى كيلو ونصف، والحليب الذي كان يتم تأمينه بصعوبة بدأ يختفي، وحين كنت أحاول الحصول على المساعدة كنت أجد المئات يعانون من نفس حالتي، ولا أحد يملك لهم شيئاً. في نهاية إبريل/نيسان الماضي، اضطررت إلى البحث عن تحويلة علاجية للخارج حتى أنقذ طفلي، وهو الطفل الذكر الوحيد مع أربع بنات، وقد انتظرته طويلاً أنا وزوجتي، وكنت أقضي ساعات في التنقل مشياً على الأقدام لأنني لا أملك المال، لكن جسده لم يتحمل، واستسلم للموت بعد أن أصبح وزنه كيلوغراما واحدا تقريباً".
ويقول فرج السرحي، والد الطفل عبد القادر السرحي (13 سنة)، من سكان مدينة غزة، إن ابنه كان يعانى من مشاكل صحية منذ ولادته، لكن سوء التغذية الذي تعرض له على مدار ثمانية أشهر فاقم تلك الصعوبات، وتسبب في وفاته داخل مستشفى شهداء الأقصى.
كان السرحي أحد الأطفال الذين يتلقون علاجاً دورياً في مستشفى الرنتيسي التخصصي للأطفال في حي النصر بمدينة غزة، قبل أن يخرج المستشفى من الخدمة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مع ثلاثة مستشفيات قريبة هي مستشفى الأطفال العام ومستشفى الصحة النفسية ومستشفى العيون الحكومي.
ويوضح والده: "كان ابني يعاني من حالة من عدم الاستقرار الصحي، ويخضع لعلاج دوري قبل العدوان، وكان يحصل على علاج خاص بالأعصاب، ويتناول أطعمة خاصة مدعمة بالمغذيات والبروتينات، ويعيش على نظام غذائي يضم الفواكه والخضروات، لكننا نزحنا من مدينة غزة، وتكرر نزوحنا عدة مرات وصولاً إلى قرية الزوايدة المحاذية لمدينة دير البلح، ما جعل مواصلة العلاج وتوفير الغذاء غاية في الصعوبة".
يضيف السرحي لـ"العربي الجديد": "صنعت خيمة لإيوائنا في قرية الزوايدة، وكنت أبحث يومياً عن أي خضروات أو فواكه متوفرة في السوق كي أحافظ على صحة ابني، وأمشي مسافات كبيرة حتى أعثر على حبة واحدة من الفاكهة أو كمية من الخضروات، وفي كثير من الأيام أعود مكسور الخاطر، كما كنت أجوع أياما كثيرة كي لا يجوع طفلي. حاولت إيجاد طريقة لسفره إلى الخارج بعد أن ساءت الأوضاع، لكن حال إغلاق معبر رفح بعد احتلاله دون ذلك، وتدهورت صحة ابني في الظروف الصعبة داخل خيمة النزوح، وارتفاع درجة الحرارة التي لا تتناسب معه بالمطلق، كما لم يكن يتوفر غذاء له، فنقلناه إلى المستشفى، لكنه توفي".
ويؤكد السرحي أن الشهر الأخير كان فارقاً في حياة طفله الذي كان بحاجة إلى نوعين من الأدوية الداعمة، منها دواء الأعصاب، وأخر مدعم بالعناصر الغذائية الأساسية اللازمة لجسمه، لكن نقصها زاد من سوء حالته الصحية، كما أن ندرة النقاط الطبية وتقلص المساعدات الإنسانية فاقما سوء أوضاعه، حتى أنه عاش أيامه الأخيرة من دون غذاء تقريباً.
وتكتظ المراكز الصحية القليلة المتواجدة بالقرب من منطقة المواصي في غرب مدينة خانيونس، وكذلك في دير البلح، بالأطفال المصابين بأمراض معوية وأمراض معدية، إلى جانب المئات من المصابين بالجفاف وسوء التغذية.
يحمل إسماعيل البربراوي طفله يامن (ثلاث سنوات ونصف) منتظراً مراجعة الطبيب، بينما يظهر على جسد الطفل الهزال، ويبدو الاصفرار على وجهه، وهو واحد من الأطفال الذين أعلنت وزارة الصحة في غزة، أنهم يواجهون خطر الموت، ويتنقل والده به بين العيادات الصحية والنقاط الطبية المتواجدة في الخيام القريبة من منطقة المواصي.
يقول البربراوي لـ"العربي الجديد": "في كل مرة يتلقى ابني المحلول الملحي بصعوبة، وبعد انتظار لساعات. لا أجد أي غذاء مناسب لإطعامه، وأنتظر على أمل انتهاء الحرب حتى اتمكن من إنقاذ حياته، كما أتابع أخبار دخول أية مساعدات غذائية إلى القطاع، فقدرة ابني على الصمود تتناقص، وقد لا يستطيع الانتظار، وأتمنى لو أنه يصلح أن أقطع من لحمي لأطعمه. طفلي واحد من بين الكثير من أطفال غزة الذين يتضورون جوعاً، وقد رزقت به بعد انتظار طال سبع سنوات، وهو ابني الوحيد".
واعتبرت منظمات حقوق إنسان عديدة في قطاع غزة، بعد وفاة طفلين بسبب سوء التغذية خلال أقل من 48 ساعة، أن الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استخدام التجويع سلاح إبادة في الحرب المتواصلة على قطاع غزة، إلى جانب استهدافه لنظام الرعاية الصحية بشكل متعمد، ومواصلة تهديد السكان لإجبارهم على الهجرة القسرية المتكررة التي شملت نحو مليوني نسمة.
يشرف طبيب الأطفال الفلسطيني محمد أبو علبة على عدد من الأطفال في نقطة طبية بالقرب من منطقة المواصي، والذين تظهر عليهم أعراض الهزال الشديد، ومن بينهم عدد من الأطفال الرُضع، ويؤكد أن "احتمالية وقوع ضحايا جدد بسبب سوء التغذية والجفاف خلال الأيام المقبلة قائمة في ظل عدم انتهاء مرحلة التفاوض على فتح معبر رفح، والذي يؤدي إغلاقه إلى عدم دخول المساعدات الغذائية والدوائية الكافية".
يقول أبو علبة لـ"العربي الجديد": "الطفل الطبيعي بحاجة إلى ما لا يقل عن 1500 سعرة حرارية يومياً، كما يحتاج إلى البروتينات وعناصر غذائية أخرى تتواجد في الفاكهة والخضروات والحبوب، لكن غالبية أطفال غزة لا يجدون أيا من هذا حالياً، ولا يمكننا حساب السعرات التي يتناولها الطفل في غزة بسبب النقص الحاد في الأغذية، كما لا يمكن تصنيف المعلبات والمدعمات الغذائية باعتبارها صالحة لتغذية الأطفال الجائعين منذ ثمانية أشهر، فالطفل في غزة يتناول أي طعام متاح حتى لا يموت، والكثير من الأطفال يفتقدون العناصر الغذائية الأساسية منذ أشهر، وتكرار النزوح وعدم الشعور بالأمان يجعل أجسادهم شديدة الهشاشة".