الجوع والمرض والقصف... ثالوث يتربّص بأطفال غزة

23 فبراير 2024
طفولة صغار غزة تُهدَر في انتظار حصّة طعام ساخن وسط الحرب والحصار (عبد زقوت/الأناضول)
+ الخط -

وسط الحرب الإسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين في قطاع غزة منذ نحو أربعة أشهر ونصف الشهر، يقع الأطفال ضحية الجوع والمرض والقصف، ولعلّ المشاهد التي تُنقَل من هناك دليل فاضح على ذلك.

وقد أكدت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم الجمعة، بأنّ الاحتلال الإسرائيلي يضع سكان القطاع في "مثلّث الموث" المتمثّل بالاستهداف والجوع والأمراض. أضافت أنّ "نصف مليون مواطن في الشمال يقساون المجاعة التي تفتك بأرواحهم بصمت".

وأوضحت وزارة الصحة أنّ "350 ألف مريض مزمن و60 ألف امرأة حامل ونحو 700 ألف طفل في قطاع غزة يتعرّضون لمضاعفات خطرة نتيجة سوء التغدية والجفاف وعدم توفّر الإمكانيات الطبية". وقد شدّدت على أنّ استمرار العدوان على القطاع يعني "مزيداً من الإبادة الجماعية وهذا ما يريده الاحتلال وداعميه".

لم يعد الطفل فاروق أبو قمر، البالغ من العمر 15 شهراً، يقوى على البكاء من شدّة الجوع، فمعدته فارغة منذ أيام عدّة إثر النقص الحاد في المواد الغذائية بشمال قطاع غزة.

وفي مستشفى كمال عدوان ببلدة بيت لاهيا شمالي القطاع، يجلس محمود أبو قمر والد فاروق بجواره، في انتظار تحسّن حالته الصحية. ووسط هذا الوضع العصيب، يشعر الوالد الذي يعتصر الألم قلبه بالعجز تجاه صغيره، إذ لا يستطيع تقديم الطعام له لتهدئته.

ويواجه آلاف الفلسطينيين في شمال قطاع غزة خطر الجوع والعطش، ولا سيّما الأطفال، مع تواصل حرب الإبادة الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وبحسب نتائج فحوص خاصة بسوء التغذية أعدّتها أخيراً منظمات شريكة في مجموعة التغذية (تابعة للأمم المتحدة)، تُسجَّل زيادة كبيرة في نسبة سوء التغذية الحاد العام بين أطفال غزة الذين تتراوح أعمارهم ما بين ستة أشهر و59 شهراً.

وقد وصلت نسبة سوء التغذية الحاد العام إلى 16.2 في المائة، وهي نسبة تتخطّى العتبة الحرجة التي تحدّدها منظمة الصحة العالمية عند 15 في المائة.

علف حيوانات لإسكات جوع أطفال غزة

يقول والد فاروق لوكالة الأناضول إنّ "المرض سيطر عليه بسبب الإعياء الشديد والهزال اللذَين أصاباه بفعل شحّ الغذاء والمياه". يضيف الوالد وعلامات الإعياء ظاهرة على وجهه الشاحب أنّ الصغير "يستيقظ باكياً في كلّ ليلة من شدّة الجوع، لكنّنا لا نجد ما نطعمه إيّاه، حتى علف الحيوانات الذي كنّا نتناوله لم يعد متوفراً".

وقد لجأ سكان شمالي قطاع غزة إلى طحن علف الحيوانات للحصول على الدقيق اللازم من أجل إعداد الخبز وضمان بقائهم على قيد الحياة، لكنّ مخزون تلك الحبوب يتضاءل بصورة كبيرة.

وتوصَف ظروف سكان الشمال بأنّها صعبة، إذ يجدون أنفسهم في الغالب وهم يمضون أياماً كاملة من دون تناول الطعام. وقد دفع هذا الوضع البالغين إلى تحمّل الجوع حتى يحصل أطفال غزة على بعض من الطعام.

ويكمل والد فاروق حديثه: "في شمال غزة، نعيش من دون أرزّ، ومن دون خضراوات، ومن دون طحين، ومن دون أيّ مواد غذائية"، إذ إنّ "المساعدات الغذائية والإغاثية لا تدخل إلينا".

على سرير مجاور، يرقد الطفل أحمد حماد البالغ من العمر ثلاثة أعوام، ويعاني ارتفاعاً شديداً في حرارة جسمه، ويحاول والده بكلّ جهده التخفيف من حرارته وآلامه عبر وضع كمّادات مياه باردة عليه.

ويقول والد أحمد لوكالة الأناضول إنّ "المرض يجتاح جسد طفلي الصغير بلا رحمة، هذا الجسد الذي أرهقته حياة صعبة وجوع متواصل"، مضيفاً "لا أعرف كيف أتصرّف أمام صرخاته القاسية وهو يتضوّر جوعاً".

يضيف والد أحمد بحزن: "لجأنا إلى طحن علف الحيوانات وتناول لحوم الطيور من أجل التخفيف من جوع أطفالنا"، مؤكداً "لم أتخيّل في يوم أن نصل إلى هذه الحالة... لم أتوقّع قطّ أن نضطر إلى تناول طعام الحيوانات".

ويتساءل والد أحمد: "ما ذنبنا؟ ما ذنب الأطفال؟ في شمال قطاع غزة، من ينجو من القصف لا ينجو من الجوع والعطش"، ويكمل: "نحن نموت جوعاً. لا يتوفّر طعام، ونحن جائعون جداً. هنا، لا مياه ولا طعام. نريد أن تتوقّف الحرب لنعود إلى حياتنا الطبيعية".

يُذكر أنّ كثيرين من سكان شمالي غزة عمدوا إلى الحفر في الشوارع الترابية وفي أرصفة الشوارع للوصول إلى خطوط المياه من أجل الحصول على احتياجاتهم منها للشرب والغسل، في ظلّ نقص المياه الحاد وأزمة العطش التي يعيشها الشمال.

مستويات كارثية لانعدام الأمن الغذائي الحاد

وفي 16 فبراير/ شباط الجاري، أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أنّ ما بين الأوّل من يناير/ كانون الثاني الماضي و12 فبراير الجاري، رفضت السلطات الإسرائيلية وصول 51 في المائة من البعثات التي خطّطت لها المنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني لإيصال المعونات وإجراء تقييمات إلى المناطق الواقعة إلى الشمال من وادي غزة.

وبحسب الأمم المتحدة، ثمّة تزايد في المستويات الكارثية لانعدام الأمن الغذائي الحاد في شتى أرجاء قطاع غزة، إذ يتزايد عدد التقارير عن الأسر التي تكافح من أجل إطعام أطفالها، وعن تزايد خطر الوفيات الناجمة عن الجوع في شمال القطاع.

وأوضح مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية أنّ أكثر من نصف شحنات المساعدات إلى شمالي قطاع غزة مُنعت من الوصول في الشهر الماضي، وثمّة تدخل متزايد من قوات الاحتلال الإسرائيلي في كيفية تسليم المساعدات والأمكنة المحدّدة لذلك.

وتابع المكتب الأممي أنّ ما يُقدَّر بـ300 ألف شخص يعيشون في المناطق الشمالية محرومون إلى حدّ كبير من المساعدات، ويواجهون خطر مجاعة متزايداً.

ويقول مدير مستشفى كمال عدوان الطبيب حسام أبو صفية إنّ "سكان شمال غزة بدأوا يتأثّرون بالجوع وبقلّة التغذية وسط الحصار الإسرائيلي"، ويضيف لوكالة الأناضول أنّ "الحالات التي تستدعي الاستشفاء تصل إلى مستشفى كمال عدوان بوضع حرج جداً بسبب سوء التغذية".

ويوضح أبو صفية أنّ أطفال غزة المرضى الذي يصلون إلى المستشفى من مراكز الإيواء "يكونون في أوضاع حرجة جداً، من جرّاء إصابتهم بنزلات معوية وأمراض أخرى تسبّب لهم جفافاً متفاقماً يتطلّب تدخلاً علاجياً عاجلاً ومتطوّراً".

ويشير مدير مستشفى كمان عدوان إلى أنّ "الطواقم الطبية يُدخلون المرضى إلى أقسام العناية المركّزة، إذ هم في حاجة إلى مراقبة طبية وعلاج على مدار الساعة".

ويحذّر أبو صفية من أنّ "قلّة المستلزمات الطبية والمعدّات والأدوات الطبية في مستشفى كمال عدوان إلى جانب نقص التغذية السليمة يمثّلان تهديداً بالمجاعة وبحصد أرواح كثيرة".

ويوضح أبو صفية أنّ "الكادر الطبي في المستشفى يعاني الجوع كما حال المرضى، وإدارة المستشفى عاجزة عن توفير وجبة طعام متكاملة للكادر العامل في المستشفى الذي يقدّم الخدمات الصحية على مدار الساعة".

ويتساءل: "كيف سيقدّم طبيب الخدمة الصحية إلى مريض وهو جائع؟ للأسف الجوع ينهش أجساد المرضى والكوادر الطبية والسكان في شمال غزة".

تجدر الإشارة إلى أنّ وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) كانت قد حذّرت منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، من أنّ الفلسطينيين في شمال قطاع غزة صاروا "على حافة المجاعة، ولا ملاذ يأوون إليه" في ظلّ الحرب المستمرة.

(الأناضول)